18 ديسمبر، 2024 10:05 م

الى متى هذا الجحود؟

الى متى هذا الجحود؟

لاشك أن الانحراف التدريجي الذي مُنيت بها التجربة
الاجتماعية اﻹسلامية من يوم السقيفة وما بعده أدى إلى ابتعاد الإسلام عن التطبيق على مستوى الدولة والمجتمع, وهذا الأمر أنتج نتائج سلبية وخطيرة باتت تهدد الإسلام نفسه لولا ما قام به الأئمة عليهم السلام من تضحيات عظيمة ضمنت للإسلام البقاء والاستمرار، وما واقعة الطف إلا شاهدا على ذلك ….
ومن المؤسف جدا والمؤلم أننا نجد أئمتنا وقادتنا يبذلون جهودهم في سبيلِ الحفاظ على الإسلام سليما من التحريف والانحراف بعد أن تمََّ تحييدهم وعزلهم عن الخلافة وعن تطبيق النظرية الإسلامية على مستوى الدولة والمجتمع.
إن هذا الواقع التاريخي كاد يقضي على الإسلامِ، لولا جهاد الأئمة المعصومين عليهم السلام .
ونحن بإزاء نقاط الضعف العديدة التي ورثناها بسبب هذا الانحراف الذي عبّر عنها القرآن بخيانة الأمانة التي كان من نتائجها؛ ضعف الأمة الإسلامية وتشرذم بلدانها وسيطرة الاستعمار عليها سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، لكننا ورثنا من أئمتنا نقاط قوة ومعطيات تساهم في مواجهة هذا الواقع السيئ، وأهم هذه المعطيات في عصر الغيبة الكبرى هي الاجتهاد، حيث أن الاجتهاد بمعناه الصحيح هو السلاح الذي لايمكن أن يُستغنى عنه وخصوصا أن الإسلام يواجه العدو منذ أن شيّدت أركانه على يد خاتم الأنبياء (ص)…
ومن المعلوم أن عدو الإسلام لم يترك سلاحا إلا وهاجم به الإسلام كما جاء في القرآن الكريم تحت عنوان ( الصد عن سبيل الله ) بالمال والسلاح والأولاد والحيلة والمكر والغدر والتضليل .
إن عدو الإسلام في عصوره الأولى كان يعتمد بصورة أساسية على الحرب العسكرية وبصورة ثانوية على الحرب العقائدية ولكنه بعد أن حصل له التقدم العلمي في عصر النهضة نجده بدأ يعتمد على كلا الحربين بدرجة واحدة بعد أن تبلورت له أفكار ومذاهب اجتماعية واقتصادية حتى أن التنمية الاقتصادية التي حصلت للدول الاستعمارية المعادية للإسلام كانت تستمد وجودها من ضعف الأمة الإسلامية وانحسار الإسلام عن واقع الحياة الأمر الذي جعل بلدان الإسلام فريسة سهلة لأعدائها لنهب خيراتها وكذلك للحيلولة دون نهضة المسلمين والعودة من جديد إلى واقع الحياة .
إن التحديات العظيمة شملت الجانب الفكري وهي أعظم امتحان يواجه الفكر الإسلامي في عصر الغيبة الكبرى .
وعلى ضوء هذا الامتحان والتحدي العظيم جاءت أهمية الفكر الإسلامي أو المفكر الإسلامي الذي تقع على عاتقه مسؤولية عظيمة وجليلة من اجل التصدي لهذا التحدي وبنفس الأسس الفكرية والعلمية التي ترتكز عليها تلك التحديات وتزداد المسؤولية وثقلها على المفكر الإسلامي حينما نلاحظ أن هذه التحديات الفكرية من أنظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية أخذت فرصتها في التطبيق على واقع الحياة لعدة قرون من الزمن وكذلك تعتبر هذه التحديات عبارة عن تراكمات ونتاج جمهرة من الفلاسفة والمفكرين أي انه فكر جمعي وليس فكرا فرديا والفكر الجمعي تتلاشى منه نقاط الضعف وهذا معنى التراكم لان الباحث ينطلق من نقاط الضعف لكي يشبعها وبالتالي سوف يتصف هذا الفكر بالتكامل بل ويزداد تكاملا بازدياد البحث والنظر من جهة والتطبيق من جهة أخرى ..
وهذا ما قد حصل فعلا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين فالتحدي الفكري الهجومي من قبل عدو الإسلام هو عبارة عن الفكر التراكمي الذي شارك فيه أجيال كبيرة من المفكرين والفلاسفة الماديين مما أثقل كاهل المفكر الإسلامي وأصبح الدفاع عن الإسلام والقرآن لابد أن يتصف بدرجة من التكامل لكي يكون موازياً لذلك الفكر المادي المعادي ومنتصرا عليه ولذلك نجد أن الشهيدين الصدرين(قد) بفضل الله كانا سببا للدفاع عن الإسلام والتصدي لكل التحديات وتقويض أسسها الفكرية ….
إن المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق الأمة وعلمائها ومفكريها تدعو للاهتمام بفكر الشهيدين الصدرين(قد) والنظر إليه باعتباره المرجعية الفكرية والسياسية الإسلامية ومن الخطأ النظر إلى فكر الصدرين نظرة قاصرة واعتباره فكرا يمثل مرحلة تاريخية منصرمة … بل هو فكر إسلامي خالص يمثل المُكمّل والمُتمّم للفكر الإسلامي والذي يؤكد هذا الرأي أن السيد محمد الصدر(قد) يقول عن أحد كتبه ( ما وراء الفقه ) في لقاء المرحوم محمد الدراجي :” إنني لم اقتصر في تأليفه على هذا العصر بل كتبته لكل العصور” ونحن وبعد أن رزقنا الله سبحانه وتعالى هذه النعمة العظيمة {اقصد الشهيدين الصدرين(قد)} تكون مهمتنا أسهل وأيسر ولا نحتاج إلى تجشم الصعوبات التي واجهت الصدرين(قدس) بل مجرد دراسة هذا الفكر وجعله منهجا ومنطلقا … ونحن نجد الكسل والتسامح والإهمال والجحود لهذا الفكر الضروري الجهادي التكاملي فإلى متى هذا الجحود …. إلى متى ؟