23 ديسمبر، 2024 2:40 م

الى كل الكفاءات العراقية … لا مكان لكم في عراق اليوم

الى كل الكفاءات العراقية … لا مكان لكم في عراق اليوم

مما لا شك فيه ان العقول المبدعة لها قصب السبق في عملية بناء المجتمعات والأوطان كونها تُسهم بشكل فاعل و مؤثر في تطوير حياة الشعوب وجعلها أكثر جمالا واستقرارا ورفاهية وسلاما . هذا الامر يتجلى بشكل واضح لدى الكثير من الزعامات السياسية والاقتصادية وفي بلدان كثيرة في السعي الحثيث على جذب أكثر تلك العقول تميزاً وأبداعاً وتقريبها من مصادر صناعة القرار وتكريمها، تقديرا لجهدها وفكرها وإبداعها وإسهاماتها الفاعلة في تجديد الحياة . ان القيام بخطوة كهذه، ستقود بشكل حتمي الى خدمة المجتمع وارساء سبل ودعائم نهضته ، ذلك أن النتائج في جميع الاحوال سوف تصب في صالح المجتمع والدولة معاً، وبالتالي فإن أي تطور في ظل نظام سياسي أو أقتصادي معين، سيعود الفضل فيه للسياسة السليمة التي يتبعها القائد وحكومته او أفراد مؤسسته، في مجال رعاية العقول المتميزة، وحماية وتشجيع المواهب والطاقات الكامنة . أما عندما يحدث العكس وتُهمل العقول الفاعلة، فإن النتائج ستكون متوقعة و واضحة للعيان كما لمسناه ولا زلنا منذ عشر سنوات مضت على التغيير ، ، مما جعل النظام السياسي الجديد في العراق يقدم دليلاً واضحا على اكثر الاسباب والعوامل التي جعلت منه ولا زال نظاما سياسيا هشا ينحني أمام أية نسائم هواء رقيقة . فقد أهُملت الكفاءات، وقُدمت الولاءات الحزبية والطائفية والعشائرية على الكفاءات و القدرات العقلية، فأثقلت المجتمع والدولة بالتخلف والتراجع وتدني مستويات العيش والخدمات، وتدهور الاوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الرغم من توفر جميع مسببات النهوض بالبلد ، ولكن إهمال الكفاءات ومحاربتها وتهجيرها، أضعف الدولة ومؤسساتها ، وأضعف النظام السياسي في العراق الجديد الذي انتهج سياسة إهمال العقول والتفريط بها بكل سهولة . إن اصحاب العقول غالبا ما يبتعدون عن السياسة، وحالات الصراع المتأججة بين السياسيين من اجل المناصب وما شابه، وصاحب العقل المبدع ينأى بنفسه عن الصراعات من اي نوع كانت، إلا اذا كان الامر يتعلق بحالة التنافس الصحيحة والمشروعة ، فالمنافسة الشريفة القائمة على أسس المهنية والكفاءة تسهم الى حد كبير في تشجيع وتطوير اصحاب العقول والمواهب ، وهذا ما نفتقر اليه في عراق اليوم الذي يخلو من هذه المعايير تماماً ، فلا مكان للكفؤ فيه ، لذا غالبا ما تجد أصحاب الطاقات يعتزلون أجواء الصراع ويميلون الى الهدوء المصطنع ونفوسهم تلتهب ناراً وسط هذه الفوضى التي تعم كافة مؤسسات الدولة ، فهيمنة المتسلقين والانتهازيين وانصاف المتعلمين من حملة الشهادات المزيفة او تلك الشهادات التي ظهرت علينا مؤخرا من جامعات لا قيمة لها في ميزان العلم والمعرفة والتي لا تعدو في كونها مجرد دكاكين تجارية ذات علامة مسجلة في وزارة التعليم الهابط والبحث المتدني ماهو إلا دليل على إن ما يجري في بلدنا ، يؤكد الشكوك التي تدل على محاربة كل الطاقات والعقول النيرة والخلاقة ، واهمال الكفاءات، واقصائها و تشريدها بسبل شتى ، معلنة ومبطنة، لأن هناك من ينظر الى الكفاءات وكأنهم مصدر خطر يداهم مصالحهم ومناصبهم، في حين تغض الجهات المعنية الطرف عما تتعرض له تلك الشريحة المهمة من إقصاء واهمال متعمد، الأمر الذي يدفعهم الى الهرب خارج البلاد، لاسيما ان دولا عديدة تتلقفهم وتحتضنهم، لأنهم ثروة لا يمكن التفريط بها . وليعلم كل أصحاب القرار ( رئيس الوزراء و وزرائه وما يسمى بلجنة التوازن ) إن ظاهرة إقصاء

الكفاءات سوف تتسبب في تكريس التخلف والتراجع في المجتمع وما يتبعه من ظواهر سلبية خطيرة، مثل التجاوز على الحقوق والحريات، واهمال المواطن والخدمات، والتقصير المتعمد في التعليم والصحة، وشل قدرات الاقتصاد، واهدار الثروات العامة، والسبب دائما تفضيل الولاء الشخصي او الحزبي او الفئوي على الولاء للشعب والدولة عموما، لذلك ما مطلوب في المرحلة الحالية هو إعادة نظر دقيقة ووقفة حقيقية للمعنيين لاسيما صناع القرار في وضع خطط منهجية عملية فاعلة لاستثمار العقول والكفاءات بدلا من إقصائها ونفيها ، وليعلموا ايضا ان سر تقدم الغرب هو دعمهم للانسان الفاشل حتى يجعلوا منه أنساناً ناجحاً وان سر تأخرنا وتخلفنا هو محاربتنا للانسان الناجح حتى نجعله انساناً فاشلا ً.