الكتابة عن الوطنية في زمن الأحزاب التي تسمي نفسها دينية نوع من الهذيان والتخريف , لأنها في جوهر عقيدتها ومنطلقاتها لا تؤمن بالوطن ولا بالوطنية , وإنما من صلب مبادئها وتوجهاتها الأساسية أن تتبع عقيدتها وما تدين به وتتصوره.
فالأحزاب المسماة دينية هي أحزاب لا وطنية!!
وبما أنها كذلك , وإرتضت بعض المجتمعات بها وسلمتها مقاليد السلطة والحكم , فلماذا يتم إنتقادها والسخط عليها وهي تترجم منطلقاتها الفكرية والعقائدية؟
لماذا هذا الغضب أو الإنتقاد؟
الأحزاب الدينية لا تقوم بما هو متقاطع مع مبادئها , لكن المجتمعات التي منحتها حق السيطرة عليها هي التي تناقض نفسها وتبدو بوجهين , فهي من ناحية تنتخبها وتخضع لنداء معمم مسخر لخدمتها وترويج بضاعتها ومن جهة أخرى تهاجمها وتدينها , وفي هذا إضطراب نفسي وسلوكي , فالذين إنتخبتموهم يقومون بما يؤمنون به ويتصورونه , وهم في منهجهم الإعتقادي يدينون بالتبعية والإتقياد للآخر الذي يتوافق مع ما يعتقدونه ويرونه صحيحا.
فلا يحق للناس أن تلوم هذه الأحزاب التي نصبتها على مصيرها , ولا يحق لها غير النظر في نفسها ومراجعة رؤاها وتصوراتها وسلوكها , وأن تقف بحزم وبيقظة عقل أمام العمائم التي تسوقها كالقطيع إلى مجزرة إنتخاب التابعين لغير الوطن.
ولا بد من الإشارة إلى أن بعض الأنظمة الإقليمية قد نجحت نجاحا باهرا ومتميزا في حلق أجيال من دول أخرى مجاورة لها أكثر حرصا ودفاعا عنها من مواطنيها , وهذا يعني أنها تستطيع بناء القوة وصناعة الإرادة المعبرة عن عقيدتها وما تريده.
فالعديد من العرب هم أكثر حرصا على النظام الآخر ومصالحه من الغيرة على مصالحهم الوطنية , لأن الوطن مغيّب , وما ينتمون إليه هو العقيدة الدينية أو الحالة التي تجسدت وتجسمت بالتكرار والتفاعلات الإمتلاكية اللازمة للإستعباد والتحكم المطلق بمصير الناس , وفقا لآليات التبعية والخنوع المؤدين للعمائم بأنواعها وألوانها ودرجاتها , فما عاد للإنسان والوطن قيمة , وإنما القيمة الكبرى للعمامة.
ووفقا لهذه المنطلقات السلوكية , يكون من اللامقبول إنتقاد سلوكيات الإنتماء للآخر ومعاداة الوطن , وذبح الوطنية في ميادين التبعية والخضوع المؤدلج للآخر الذي يدين بمصالحه وحسب.
فهل من إعادة رشد إلى الذين آضاعوا رشدهم في متاهات عمامة؟!!