ربما لكل منا تعريفه للوطنية , وحتى الفاسدين يحسبون سلوكهم وطنيا , وإن أنكرتَ عليهم وطنيتهم سيهبون بوجهك غاضبين.
فالوطنية في المفهوم الجمعي حب الوطن , وكل له أسلوبه في التعبير عن الحب , وأكثرنا يرفع لافتات ومن الحب ما قتل , والمقصود قتل المحبوب , فالسلوك الوطني في خلاصته أن تقتل وطنك.
ولهذا فالعراقيون من أكثر شعوب الدنيا حبا لوطنهم , لأنهم أبدعوا في قتله وتخريبه ومصادرة ما يشير إليه , بل ينهبون آثاره ويستلبون ثرواته , ويجردونه من طاقات الحياة وقدرات البقاء.
فمن الوطنية نهب الآثار وبيعها بأبخس الأثمان , ومن الوطنية إعادتها إلى البلاد ليتكرر نهبها وبيعها من جديد.
فكيف يمكن الحفاظ على مقتنيات وقطع أثرية في بلدان يطلق على دولها وحكوماتها بالفاشلة , أي الغير القادرة على حماية مواطنيها وتعجز عن توفيير أبسط الحاجات الإنسانية المنصوص عليها في لوائح الآدمية.
لابد من الإعتراف بأن وطنيتنا بلغت ذروتها , فتمكنت من قتل البلاد والعباد , ومحق العلامات الفارقة للوطن.
فتعبيرنا عن الوطنية يكون بالعدوانية السافرة على ما يتصل بالوطن ويمثله , أو بالعدوان المتواصل على ذاتنا وموضوعنا.
فنحن وطنيون إلى نخاع العظم , وإياك أن تتهم واحدا منا بأنه لا وطني , فما نقوم به نشاطات وطنية , وإن بدت على أنها غير ذلك , لكن جوهرها وطني , فكل مَن يجلس على الكرسي المتسلط على مصير البلاد وطني , ومن سلالة ونسب مرموق ما بعده أحد , فهو الواحد الأحد , وما يأتي به من المآثم والخطايا لها ما يبررها ويحللها.
فكلهم وطنيون , والبلاد والعباد غنائمهم التي أعطيت لهم من ربرزاق غدّاق كريم!!
فقل أنا وطني وإفعل ما تشاء , وإنا لله وإنه رب السماء!!
وتحيا الوطنية الجدباء!!