” في غياب الوسطية يضحى كل فرد في السلطة من الضواري النهمة”
جون ادمز 1776
لا اريد ان اخوض كثيرا في تعريفات الوسطية كمفهوم فهي لها تعريفات كثيرة ضمن الرؤية السياسية ، ولكن اقول وببساطة ان الوسطية لا تعني الانهزامية والضعف وعدم القدرة على المواجهة عند احتدام الفعل او القول، فلدينا ان اللاعب السياسي الذي يتصدى للمسؤولية عليه ان يكون برؤية وسطية تعنى بالاعتدال ولكن تتضمن القوة عند الحاجة للمواجهة بالحق طبعا بعيدا عن التصلب الايديولوجي لانه لا يعتبر قوة للفرد بل هو اشبه بان يحقق الهزيمة لمعتنقيه والشواهد كثيرة عبر التاريخ.
فالوسطية من يعتنقها هم المعتدلون الذين يجب ان يكون صوتهم واضح داخل المجتمعات والا فان غياب صوتهم سيؤسس للاستبداد ونزعات التدمير والارهاب وهذا ما لاحظناه جليا في الصراعات الدائرة في الشرق الاوسط منذ امد بعيد.
لذلك يقول ادموند بيرك” الوسطية فضيلة عصية تليق فقط بالعقول النبيلة والشجاعة” الاصوات الوسطية في الواقع المجتمعي والسياسي غياب دوؤرها الفاعل في الحياة يؤدي الى اعلاء اصوات العقول الراديكالية التي تقود دوما للتطرف بعيدا عن الدرب الوسطي العقلاني وهذا كان واضحا في الحالة العراقية ففي ظل غياب مفهوم الوسطية كليا نجد ان الاصوات النشاز التي تدعو للطائفية والعقية والاستحواذ على الاخر واضحة تماما ودوما والا لو كان هنالك صوتا وسطيا واحدا معتدلا لاسكت كل هذه الاصوات النشاز.
والوسطية كما اسلفنا لا تعني التردد والانهزام بل هي في حد ذاتها قوة وقوة فاعلة في بناء المجتمعات سياسيا .
يقول مونتسكيو في روح الشرائع”1748 ” ان الوسطية هي اعلى فضائل المشرع واسماها منزلة فهي احدى الملامح المميزة للشخصية وهي نمط معين للعقل السياسي على عكس التطرف والهوس التعصبي ” ويقول اورليان كرايتو وهو استاذ العلوم السياسية بجامعة انديانا في بلومنجتون صاحب كتاب ” وجوه الاعتدال :فن التوازن في عصر النهايات” 2016″ ان الابعاد المؤسساتية للوسطية قد تصدرت المشهد بجلاء في كتاب الاوراق الفدرالية (1787-1788) والذي اشار مؤلفوه جيمس ماديسون(1751-1836) الرئيس الرابع للولايات المتحدة فيما بين عامي 1809-1817 والكساندر هاميلتون سياسي امريكي وهو احد الاباء المؤسسين لاميركا (1755-1804) وجون جاي( 1745-1829) وهو احد الاباء المؤسسين ورئيس المحكمة العليا الامريكية ، اشراوا في مواضع كثيرة من كتابهم ان الحرية والرخاء في اي بلد من البلدان ليرتكنا الى تحقيق توازن حكيم بين جماعات المجتمع وطبقاته، فضلا عن بلورة حكيمة تصاغ بها مقاليد القوة تشتمل على عناصر كتوازن القوى والفصل بينها واعتماد صيغة فدرالية ما ، والقيام بمراجعات قضائية وارساء نظام ذي مجلسين تشريعيين ، ان هذا التوازن الذي لطالما كان مهددا وهشا هو الذي بأمكانه ان يحول دون انتهاك اي حزب او جماعة لما عداه من احزاب او جماعات، ويحول دون استئثار اي منها بالسلطة المطلقة ” ( (Moderation May by the most challenging and most rewarding Virtue ، Aeon 17’7’2017 )) اذن الوسطية لا تعني الضعف بل تعني القوة واتخاذ القرار والسيطرة على البلاد دون انتهاكات تذكر وعدم السماح للاحزاب والجماعات والفئات ان تتحكم بالامور بعيدا عن سيطرة الحكومة والوسطيون يفكروا سياسيا وليس ايديولوجيا ويحاولون التوصل لحلول عقلانية قدر الامكان.
ويوصف السياسي الوسطي بكونه” عاقلا حصيفا ، حذرا يقظا له ردة فعل سريعة ، ذا حدس صائب عليما بما تجري به الرياح مالكا لزمام مساره، ومتى ينحو صوب هذه الجهة او تلك لديه الشجاعة للسباحة ضد التيار السائد حينما تدعو الحاجة لذلك ، ويجب عليه ان يكون مطالبا بحق الطرف الاخر في ان يسمع لرأيه في اية قضية خلافية يثار حوله الجدل”
وبمبرهنة بسيطة على وضع الفوضى الامنية والسياسية في البلد اليوم نجد غياب الاصوات الوسطية في الدولة العراقية ما بعد 2003 غيابا ظاهرا واضحا حل محله اصوات راديكالية نشاز عملت على ان يكون المجتمع متجابها مع بعضه مستغلا للاخر الضعيف ، السياسي لدينا ليست لديه القدرة لان يقول لجهة ما اذا كانت هذه الجهة سيئة ان توقفي وكفي عن الاذى بل انه يحسب نفسه لا يراها كما ان السياسي المتصدي للعمل ليس حذرا يقظا والا لو كان كذلك لما احتل ثلث العراق على ايدي عصابات داعش الارهابية كما انه يبتعد عن تنفيذ اية مطالبات وحقوق يستمع اليها ، فهو سياسي ليس وسطي بل هو تابع ويكاد يكون متطرف في الكثير من مواقفه….. اين الاصوات الوسطية في العراق التي لو وجدت لانقذت البلاد والعباد!!!!!!!!!!!!!!!!!