23 ديسمبر، 2024 5:47 ص

إن الورع والتقوى من المراتب اﻷساسية والضرورية لكل من يريد الوصول الى العصمة غير الواجبة(المكتسبة)، إذن ينبغي السؤال عن معنى الورع والتقوى؟:
فالورع هو ترك المحرمات، والتقوى هي ترك الشبهات.والفرق بين هذين المعنيين هو:
(” ان احسن ما يمكن بيانه كفرق للتقوى عن الورع، ان الورع هو ترك المحرمات، واما التقوى فهي ترك الشبهات او قل ترك موارد الشبهات. فاذا كان الفرد شاعرا بالمسؤولية تجاه الله تعالى بحيث يكون مجتنبا لموارد الشبهات، وكل ما يحتمل ان يكون فيه حرمة، او جرأة على الله سبحانه فانه يتركه من اجل رضا الله سبحانه وتعالى والقرب له ونيل الزلفى لديه، فهو متقي. كما ورد في الحديث ما مضمونه: (الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وشبهات بين ذلك فمن اقتحم في الشبهات كاد ان يقع في المحرمات) (گول لا !). واما اذا لم يقتحم في الشبهات ووقف عندها واحتاط لنفسه فيها فهو المطلوب وعندئذ سيكون من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وهذا معناه ان المؤمن يمنع نفسه على مستويين وليس على مستوى واحد :
اولا: المحرمات الواضحة الفردية والاجتماعية، وكذلك الباطنية والظاهرية، كسوء النية والوسواس والاعتداء، واي شيء آخر من المحرمات. وهذا معنى قوله (امر بين غيه فيجتنب).

ثانيا: ان الفرد يترك كل ما هو محتمل ان يكون كذلك من الافعال والاقوال، ولا يحاول المشي في هذا الطريق المشبوه مهما امكنه، وانما يقتصر فقط على الطريق الواضح لرضاء الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه. وهو معنى قوله (امر بين رشده فيتبع) اي الطريق الواضح الذي يوصل الى رضاء الله سبحانه.
وهذا هو ايضا فرقه عن الورع، فان الورع هو ترك ما احرز الفرد كونه حراما وما علم الفرد كونه حراما دون ان يترك الشبهات، فيكون ورعا ولو بعنوان ان الشبهات مما لم تثبت حرمتها، وكل ما لم يثبت حرمته فهو جائز باصالة البراءة عن الحرمة ونحو ذلك وهذا صحيح فقهيا. الا انه لا يصل به هذا النحو من السلوك والافعال، لا يصل به الى درجة التقوى ما لم يقف عند الشبهة، ويتجنب كل ما يحتمل ان يكون سببا لغضب الله سبحانه وتعالى.
-بقيت خطوة بسيطة- ولكن من الواضح في هذه الدرجة من التفكير، ان احتمال السوء ينبغي ان يكون واضحا او معتدا به لكي يتجنبه، بالرغم من جريان اصالة البراءة في نفيه. واما اذا كان احتمال السوء ضعيفا مرجوحا جاز له عمله مع وجود اصالة البراءة في نفيه.”)انتهى [المصدر: الجمعة التاسعة والعشرون للسيد الشهيد محمد الصدر].
إن الأفراد يتفاوتون في الدرجات، فبعض اﻷفراد قد وصلوا الى العصمة غير الواجبة، وبطبيعة الحال هم أقل عددا، اما الورع والتقوى فإن عدد الواصلين الى هاتين الدرجتين اكثر نسبيا من أصحاب العصمة غير الواجبة ولكنهم أقل بكثير عن غيرهم من عامة اﻷفراد، فأغلب الافراد متورطون بالمحرمات والمعاصي، بل ان المليارات من البشر لا إيمان لهم فضلا عن الورع والتقوى!!
وأن المسلمين أكثرهم لم يصلوا الى درجة الورع بالرغم من سهولتها النسبية!!