18 ديسمبر، 2024 9:54 م

مصطلح يُراد به الإلتفات المتواصل إلى الوراء وعدم القدرة على رؤية مواضع الخطوات , ويشير إلى سلوك تراجعي إتلافي خسراني لا يساهم في بناء الحاضر وإدراك متطلبات المستقبل.
ويبدو أن العقل العربي تغلبُ عليه النزعة الورائية , وما يتصل بها من سلوك وتفاعلات ذات محصلة خسرانية تدميرية فادحة.
فالسائد أن ينظر إلى الوراء وربما ينظر إلى الوراء تسعة وتسعين بالمئة وواحد بالمئة حوله وإلى الأمام , وهذا السلوك يتسبب بأضرار حضارية جسيمة ومروعة , ويمكنه أن يفسر ما وصل إليه الواقع المعاصر وما تحشد فيه من طاقات الخراب والدمار.
ومن الواضح أن الطامعين بالعرب يعرفونهم أكثر من معرفتهم لأنفسهم , ولهذا تحقق الإستثمار الكبير في ميادين التفاعلات الورائية , وتم تغذيتها إعلاميا وخطابيا وماديا وتعبويا , حتى طغت على السلوك المجتمعي , وأوجدت حالات خارجة عن العصر وذات تطلعات فتاكة ماحقة.
فما يدور في الواقع أصله وجوهره يكمن في هذه العاهة السلوكية المقيمة , المتمكنة من الفكر والرؤية والتصور والتفاعل القائم ما بين الناس , فلا يخلو لقاء أو حوار بين الناس إلا وتسيّدت فيه الورائية وتمكنت من الهيمنة , ومنعت النظرة إلى الواقع المعاصر بعيون القدرة على التحليل العلمي الموضوعي النافع لتأمين الوصول إلى حل مفيد.
فلو نطقت بفكرة أو كتبتَ في موضوع قائم واجهك الورائيون برؤاهم الراسخة , وقالو لك بأنه كذا وكذا لأنه قد كان كذا وكذا قبل مئات السنين , أي أنهم يمتلكون إستنتاجات وخلاصات متمكنة منهم وتمنعهم من التعامل الواعي الموضوعي مع التحديات المتجددة.
فعندما تحاول أن تقرأ التفاعلات الإجرامية العاصفة في الواقع الدامي بعيون معاصرة وعلمية ودراسة بحثية رصينة , يقفزون أمامك مسفهين ومفندين بقولهم إنهم خوارج العصر , وقد حصلت في زمن هذا الخليفة أو ذاك ولا جديد في الأمر.
وإذا واجهتم بواقع الحال القائم وما يجب عمله وتأكيده لصناعة الحياة الأفضل , قالوا أنه النظام السابق والعهد السالف , وكل ما يجري ويدور بسببه لا غير , ولا ناقة ولا جمل لنا بما يحصل , وعندما تسائلهم عن الظم والقهر والحرمان , أجابوك فورا لقد عملها السابقون!!
هذه أمثلة مروعة عن ممارسة الورائية , وبسببها لم يتمكن العرب من إيجاد حل أو التحرر من قيود “مضى وما إنقضى” , وبرغم تعري الدنيا أمامهم , وتمثل العالم على شاشة صغيرة عندهم , إلا أنهم ينحشرون في ورائيتهم ويتعفنون فيها , ويعبّرون عن جراثيمها وأوبئتها , المعبّأة بأوعية دينية ومغلفة وفقا لأحدث أساليب التسويق والتوزيع الطاعوني الطباع.
فهل من نداء “إلى الأمام سِرْ” , يا عرب؟!!