ولمزيد من الفائدة ولكي يتضح المعنى أكثر أنقل لكم تفاصيل أخرى عن عالم الواقع حيث تناول الشهيد محمد الصدر(قدس سره) خصائص عالم الواقع قائلا:
(( الخصيصة الاولى: إن عالم الواقع أزلي، لأن العقل يحكم بثبوت الدليل عليه على مدى السرمدية))[نفس المصدر السابق]
(( الخصيصة الثانية: إن عالم الواقع ثابت مستقر، ليس فيه كون ولا فساد ولا حركة، يعني ليس فيه علية ومعلولية، لا فيه ولا في غيره. ولا العكس))[نفس المصدر السابق]
سؤال هل إن عالم الواقع ونفس الامر أشرف من عالم الخارج؟
الجواب كلا. حيث قال الشهيد محمد الصدر في نفس المصدر:
(( إن عالم الخارج أشرف من عالم الواقع لأمرين على أقل تقدير:
الأول: أن عالم الخارج محسوس وأوضح في الحس والإدراك من عالم الواقع، فهو يرى بالانكشاف التام. وعالم الواقع قاصر عن أن يكتشف أكتشافا كاملا.
الثاني: إن مرتبة وجود عالم الخارج أقرب إلى مرتبة وجود الله سبحانه. أو قل: بمعنى من المعاني : هو سنخ وجود الله سبحانه. وهذه الصفة لم تتوفر في عالم الواقع. لأن الله تعالى من عالم الخارج.
وكل ما هو من عالم الخارج فهو من سنخ وجود الله سبحانه من هذه الجهة. فيكون أشرف))أنتهى.
ان عالم الواقع ونفس الأمر ليس المراد منه عالم الأمر لأن عالم الأمر هو من قبيل الروح العليا للإنسان وكذلك سنخ من الملائكة كالكروبيين فعالم الأمر هو من عالم الخارج…
فإن عالم الخارج يشمل:
١- عالم الناسوت: اي الأجسام.
٢- عالم الملكوت: اي النفس.
٣- عالم الجبروت: اي العقل.
٤- عالم اللاهوت: اي الروح. فهذه العوالم كلها من عالم الخارج..
وبعد أن تعرفنا على المعنى الاصطلاحي للواقع ونفس الأمر، وخصائصه، يحسن جدا التعرض للاستدلال على
عالم الواقع ونفس الأمر تاركا الحديث للسيد محمد الصدر حيث قال قدس سره:
(( ويمكن الاستدلال على عالم الواقع بأحد شكلين:
الاستدلال الأول: القرآن الكريم. وما يمكن أن يستدل به على ذلك آيتان كريمتان:
الأولى قوله تعالى: “” ألا له الخلق والأمر”” على أن يكون المراد بالخلق عالم الخارج ويراد بالأمر عالم الواقع.
الثانية: قوله تعالى: ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون””
فإنها بحسب الفهم المشهوري: أن الأمر هنا مفرد أوامر. والشيء هو الشيء الخارجي.
وأريد أن أقترح فهما آخر: بأن يكون الأمر هنا مفرد أمور. ويكون إشارة إلى عالم الأمر والواقع. إن المعدوم لا يخاطب بهذا الخطاب. فهذا الخطاب يتحقق في شكل من أشكال الوجود: نسميه عالم الواقع لا الخارج.
فيكون معنى “إنما أمره” أي عالم الواقع المضاف إلى الله سبحانه “إذا أراد” أن ينقل “شيئا” واقعيا ليجعله خارجيا، فإنما يأمره فيطيع، فيلبس ثوب الخارج بعد أن كان واقعيا. وكلا العالمين موجودين. وقد يناقش هذا : بأنه من الفهم الباطني للقرآن الكريم. وهو ليس بحجة.
وجوابه: أننا لا ننفي الحجية عن الفهم الباطني للقرآن مطلقا، بل نقول أنه مادام الوجدان يفهمه ويلتفت اليه ويناسب حاله ومستواه فهو حجة عليه…
الاستدلال الثاني: العقل.
وما يمكن أن يستدل به نحوان:
النحو الاول: أن الله سبحانه خلق الذهن كاشفا عن الواقع وعن خارج الذهن وخارج الذات.
وإن الصورة الذهنية تدل صاحبها على أن شيئا ما هو خارج الذهن موجود.
فنستطيع أن نقول: أن الأصل مطابقة الصورة الذهنية للخارج، إلا ما ثبت بدليل كجبل من ذهب أو بحر من نار.
ثم إن ما يصل إلى الذهن على أشكال منها:
ما يصل عن طريق المحسوسات، فهو الخارج.
ومنها ما نعلم بصحته كمفهوم تصوري وخطور ذهني، ككلي الإنسان أو الحيوان، في حين أن الكلي لا يوجد بالخارج وليس الخارج ظرفا للكليات، فمن هذه الناحية فهو معدوم في الخارج. ولكنه مع ذلك صادق ومطابق للواقع، بدلالة الصورة الذهنية، فيتعين أن يكون موطنه عالم الواقع.
النحو الثاني: صدق القضية التصديقية: شرطية كانت أو حملية، مثل قولنا: النقيضان لا يجتمعان، والدور مستحيل. فهي صادقة وجدانا ولكن لا وجود لطرفيها في الخارج. فلابد من وجودها في الحصة الثانية من عالم الخارج، وهو الواقع.
ويمكن أن يكون النحو الاول خاصا بالتصورات والثاني بالتصديقات. وبذلك لا يرد إشكال إختصاص عالم الواقع بأحدهما لإختصاص الدليل به. بل يمكن ضمهما، فيتم الدليل.
ولكن يمكن تعميم الأمر الأول للتصديق أيضا، لأن التصديق أيضا له صورة ذهنية. وفي الحقيقة: فإن ماهية التصديق هو الإذعان النفسي. لكن هذا الإذعان له في الذهن وجود وصورة. لأن الفرد يعلم أنه مصدق وأن الصورة صحيحة. وإن لم تكن هي حقيقة التصديق.
وكذا الدليل الثاني يمكن تعميمه إلى التصورات، بإعتبار طرفي القضية وهما تصورات.)) [نفس المصدر السابق].