وجع الدنيا لم يقف عند الإنسان فحسب، الأهوار أيضاً تنفست الألم، حتى هي عانت من ظلم الحياة التي أرادها صدام، حياةٌ أسمها الموت، سياسة تجفيف الهور والإنسان، وجفاف الحياة والروح.
مع أخر قطرة ماء مرت على الهور، بكى الوطن دموعاً من حبر، تناثرت على قصبه اليابس، رسمت أعزوفة الرفض، قصب، حبر، حرمان، ومظلومية، كانت كفيلة بإنهاء عطش الهور، سليل أكد وحفيد الزقورة.
وتكلم الهور.. ينعى نفسه، بين الجلاد وقصبه الذي حمى أبنائه، عانى ألم الولادة المتعسرة، فخرجت من رحمه العطِش، كلمةٌ بينةٌ صادقة، سطرها بورقة حنينه لمسمارية الأجداد، مباهلاً جاهل العصر، هنا تعلم الكون الكتابة.
قرابة العقدين من الزمن، وجريدة البينة تواصل إبداعها، بلهجة أهل الجنان، من شهداءها.. خطت لمستقبلها طريق، ولأنها سومرية الأصل والمنشأ والمضمون، عانقت المحرومين وكتبت عنهم، خلدت زماناً أختار الكي بالنار أول العلاج.
من الهور، من عطره الذي يفوح بالجهاد، صدر عددها الأول، قلة إمكانيتها المادية حفزت روحها السرمدية، فكُتبت ونُشرت ووزعت، تواجه صوت الموت بالكلمة.
رحل صدام، أنتعش الهور وتمدد حتى وصل بغداد، وهناك بدأ صفحة أخرى من الجهاد، حارب بأصالته فكر التكفير المستحدث، ولأنه منبعاً للكرم، قدم الهور شهداءً من جديد..
أي منحرف يعتقد إن الهور يموت؟!
بكل الوسائل المعروفة وغيرها، حاولوا قتل الهور، بجهاده وشهداءه ومائه الظمأ، لا يعلمون أن من مسك بيده قلم لايموت، كلما زادوه قتلاً أزداد حياةٌ وألقا.
البينة، تطفأ شمعتها التاسعة عشر، وتطفأ معها الحريق الذي شب بالعراق يوماً ما، تسعة عشر عاماً وهي تنقل معاناة المهمشين، ولا زالت تجاهد لتثبت، الهور يتكلم فصحى.