الأمة حال انتفضت من رقدتها وطردت نعاس العدم , تصدى لها المفكرون والمصلحون والمنوّرون بالخداع والتضليل , فحوّلوا إنتفاضتها الحضارية إلى عصف مأكول , ذلك أنهم طرحوا كلمات مجوفة , بلا رؤية وآلية للتحقق والإنجاز.
ولازلنا نتغنى بأعلام النهضة العربية , وما تساءلنا أين هي النهضة؟
وما هي الإنجازات التي أعدوا الأجيال لها؟
منذ الأفغاني ومحمد عبدة , وما قبلهم وما بعدهم , طُرِحَت الأفكار , ولم توضع خرائط واضحة للنهوض كما حصل في أمم الأرض الأخرى.
ما جرى في واقعنا العربي , أن قادة النهوض تواصلوا بالطرح الخيالي , المنقطع عن الواقع المعاش , وما تمكنوا من رسم معالم الطريق الصاعد إلى آفاق الحضارة المعاصرة.
فعندما نقرأ لهم نتعجب من روائع أفكارهم وصحيح تطلعاتهم , وما جاهدوا في سبيله , لكنهم كانوا يصفون وينظرون ويطلقون العبارات البليغة والأفكار المنيفة , وما فكروا بكيفيات تحقيقها , فوجدتنا عبر أجيال وأجيال رهائن للنظرية والتطبيق , وقد عجزت جميع الأحزاب والحركات والدعوات الإصلاحية النهضوية عن إنجاز نظرياتها , وتحقيق شعاراتها , فالعلة التي تجاهلها المفكرون هي آليات تطبيق الأفكار , واكتفوا بالطرح وبالتحليل والتبرير والتفسير , وما قيمة ذلك , إن لم يدفع إلى آليات إنجازية ذات قيمة فاعلة في المجتمع.
وحتى اليوم , السائد في الواقع الفكري والثقافي طروحات نظرية خاوية , خالية من قدرات التحول إلى ممارسات يومية نافعة , فالجميع يتحدث بمثالية وبأنه يعرف قولا ويجهل عملا أو فعلا.
حتى أدعياء الدين تراهم يتحدثون في خطبهم ومواعظهم , وكأنهم أنبياء وتعاين أفعالهم فتجدها لا تليق بشيطان رجيم , وتتعجب من هذا التناقض الفاضح ما بين القول والفعل.
وهذا السلوك عاصف في أرجاء الأمة , منذ منتصف القرن التاسع عشر , وفي ذروته القصوى الفاعلة فينا اليوم.
ولا يمكن التحرر من خدعة التفكير وتضليل المفكرين للأجيال , إلا بتعلم مهارات كيف , أما البقاء في خنادق لماذا , فلن يجلب سوى السوء والوجيع.
وأين مناهج العلم فيما تناوله المفكرون؟!!