23 ديسمبر، 2024 1:07 م

يبدو أن سلامة النفس البشرية وتفاعلاتها اليومية له علاقة بقدرات مجتمعها , فالمجتمع القادر على التصنيع والعطاء والإنتاج , يمنح النفس قوة جديدة وزخم إبداعي وثقة بالإتيان بما هو جديد.

فالتصنيع له تأثير على النفس البشرية , وهو الذي يساهم في تصنيعها أيضا , ومدّها بما تحتاجه من المهارات اللازمة للقوة الحضارية وبناء الإرادة الإنسانية العزيزة الكريمة.

إن إغفال بعض المجتمعات لهذا الركن الأساسي المؤثر في السلوك البشري , يجعلها تتحول إلى وجود واهي , ويوفر لها قدرات الإنكماش والإنحسار والإضمحلال والضياع.

ويمكن تقدير الحالة النفسية للمجتمع من خلال معاينة قدراته الإنتاجية , ونشاطاته الصناعية والإقتصادية.

فالحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات النفط غير الحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات لا تملك نفطا , لكنها تمتلك عقلا وأفكارا , ومهارات تصنيع وإبتكار وإنتاج , جعلت من دول النفط تابعا ضعيفا لها , وليس العكس.

وفي مجتمعاتنا يبدو تأثير الإنهيار الصناعي على نفسية الإنسان.

وقد كان العراق متجها نحو التصنيع , وكان الشعور القائم في أعماقنا غيره عندما تحول إلى بلد خالٍ من التصنيع.
وكذلك الحالة النفسية في مصر , عندما كانت ذات قدرات صناعية وتصديرية , و بعد أن تم الإجهاز على مشاريعها الصناعية وعدم تطويرها , أصابتها آفات العجز والإتكال.
فعندما سألت عن سيارات “نصر” التي كنت أعرفها منذ صباي , وجدت الجواب , “يرحمها الله”!
وهذا يعني أن النفس قد إنكسرت , والإرادة إنحنت , والأمل والثقة بالمستقبل قد تزعزعت.

فالنفس البشرية ليست حالة معزولة عن دفق الوجود الإنساني من حولها , وخصوصا في مجتمعها ووطنها الأصلي.

وفي خضم الفيضان المعلوماتي والتواصل الإليكتروني , فأن العديد من النفوس ستصاب بالصدمات والإنكسارات والإنفعالات السلبية , والثورات الهيجانية المعبرة عن حالتها الشعورية وطاقتها العاطفية المتراكمة المضغوطة في قدور وجودها , التي تغلي على جمرات آهاتها!!

ومن أهم المعالجات المطلوبة للواقع العربي , هو إعادة روح التصنيع والإبتكار التي تعزز ثفة الإنسان بنفسه , وبحاضره ومستقبله.
فهل لدينا مناهج إعادة تصنيع الذات العربية المأزومة؟!!