23 ديسمبر، 2024 10:28 ص

الناس أعداء ما جهلوا

الناس أعداء ما جهلوا

قبل اربعة عشر سنة تقريبا كتبت مقالا وقد نشرته جريدة الحوزة وأحببت اليوم اعادة نشره وهذا هو النص الكامل للمقالة التي كتبتها بتاريخ 2/5/2004..
(( إلى متى يبقى الكثير من أفراد مجتمعنا يعيشون الجهل والسذاجة بالرغم من خصوصية وقدسية هذا البلد العظيم(العراق)، وبحكم التجارب التي مر بها، وهي تجارب قاسية وصعبة كلفت العزيز والغالي من الأرواح وهدر الثروات….
إن هذه التجربة المريرة التي مرّ بها العراق وشعبه أنتجت وعياً عميقاً في أوساط هذا الشعب جعلتهم في الطليعة والقمة وبالرغم من هذا الوعي لدى شريحة واسعة من شعبنا نجد أن هناك الكثير أيضاً ممن لم يتغير أو يتطور وبقي على سذاجته وبساطته وعلى جهله المخزي مثله مثل السمكة التي تتجه نحو طعم الصياد ولا تأخذ عبرة وموعظة من الماضي!!!
مع أن السمكة لا تتمتع بما يتمتع به الإنسان من قوى عاقلة مدركة و مميزات جعلته مؤهلاً لخلافة الأرض وجعلته مختاراً..
فالسمكة بما عندها معذورة! لكن الإنسان غير معذور بطبيعة الحال….
ولنضرب مثالاً مهماً على بقاء هؤلاء الناس على جهلهم وسذاجتهم بالرغم من التجارب العظيمة والمحن والمصائب وكيد الأعداء الذي عاشه شعبنا المظلوم….
كنا في السابق نعيش تحت حكم عصابة لا إنسانية وحشية مستبدة كانت تحكم بشريعة أسوأ من شريعة الغاب كما لا يخفى على العراقيين و سائر الناس أجمعين ولكن لم يخضع أبناء هذا الشعب ولم يستسلم ولم يتنازل عن وجوده بسبب وجود قيادات واعية قد نذرت نفسها قرباناً للتضحية من أجل هذا الشعب ومن اجل وجوده وبقاءه صامداً وبالتالي تحريره من الظلم والطغيان وكلنا يعلم الدور الرسالي والجهادي والوطني الذي قام به القائد المفكر والمرجع السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس ) ونحن حيث نطرح هذا الموضوع نجد الكثير من الجهلة والسذج كانوا ينعقون مع كل ناعق بحيث أصبحوا عقبة ومانعا عن التقدم، فقد شحت أنفسهم عن النصرة لهذا القائد العظيم ولقضيته العادلة وبنفس الوقت وقفوا حجرة عثرة أمام هذه المسيرة العظيمة إلى أن بلغ هذا الرجل العظيم درجة الشهادة وأدرك هؤلاء الجهلة (السفهاء) أنهم قد قصّروا بعدم تأييدهم للشهيد الصدر الأول(قدس) ووقفوا مانعاً تجاه هذا السيد المظلوم فشاع شعور الندم بين أوساط هؤلاء الناس وظل هذا الشعور النفسي بالندم في وجدان أبناء العراق حتى الجهلة والسذج منهم بطبيعة الحال.
وظل هذا الشعور النفسي الخانق إلى أن تصدى السيد الشهيد محمد الصدر(قدس) لقيادة الأمة وقد بعثها من جديد وبث روح الإسلام فيها ولكن مع شديد الأسف كنا في السابق متفائلين بهذا الشعور النفسي بالندم الذي حصل بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر(قدس) لان الالتفاف حول السيد محمد الصدر(قدس) يعتبر علاجاً لهذه الحالة النفسية وفرصة للتوبة وإصلاح ما سبق من مواقف متخاذلة وتعويض عن عدم النصرة للصدر الأول(قدس) ولكننا تفاجئنا حينما وجدنا الكثير من هؤلاء الجهلة يقف نفس الموقف بل أكثر سلبية و أقسى من ذلك الموقف المخزي وكأنهم قد نسوا شعورهم بالندم على موقفهم السلبي الذي ساهم في تقوية شوكة هدام وأتباعه الكفرة المجرمين الشياطين وكأن هؤلاء الناس ليس لهم عقول يتدبرون بها ويتعظون منها وكأنهم قد طبع على قلوبهم إلا القليل منهم جزاهم الله خير جزاء المحسنين فقد أبدلوا ذلك الموقف بموقف مشرف لأنهم تعلموا درساً من الماضي فكانوا حقاً توابين .
و تکرر نفس المشهد وهو استشهاد الولي المجاهد المرجع المفكر السيد محمد الصدر(قدس) وندم هؤلاء الجهلة (السفهاء) على موقفهم غيرالمرضي لله سبحانه وتعالى ونشأ نفس الشعور النفسي بالندم والخطيئة…..
والتاريخ يعيد نفسه لكي نأخذ العظة والعبرة لا لكي نكون كالسمكة المسكينة التي تلتقم الطعم في كل مرة!!!!!
و ظل هذا الشعور النفسي بالندم لدى هؤلاء الجهلة السذج الذين لا يعتبرون ولا يتعظون ودائماً يقفون مع صف الطاغوت من حيث لا يشعرون مع شديد الأسف فكثيراً ما رأينا منهم عض أصابع الندم على ما بدر منهم…
ولكن بعد تصدي الصدر الثالث السيد المجاهد مقتدى الصدر (حفظه الله) انقلب ذلك الشعور بالندم وكأنه لم يحصل وبدأت نفس تلك الأفواه الظالمة الجاهلة بالافتراء والبهتان والوقوف ضد الشعب وقضيته العادلة ومناصرة المحتل الكافر الغاشم ونحن نقول أن الأمر سيتكرر وسوف تقولون أن السيد مقتدى الصدر(دام عزه) صاحب حق و نحن لم ننصره فإلى متى يا أخوتي لا تتعضون ؟
إلى متى انتم غافلون؟
إلى متى تقفون مع الظالمين؟
أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين..
و نحن نوجه لكم النصيحة وننذركم من عذاب يوم عظيم ونقول لكم إذا انتم ليس لكم قدرة على النصرة فلماذا تقفون ضد الحق وأهل الحق وقد تبين لكم أن الصدرين(قدس) كانا على حق….
وانتم بمواقفكم المخزية تؤيدون الباطل فلماذا تنصرون المحتل وانتم تعلمون وتشعرون؟
فإذا شحت نفوسكم عن النصرة كما أثبتم ذلك بجدارة في أيام الشهيدين الصدرين (قدس)… مع شديد الأسف فنحن نطلب منكم بان لا تقفوا بوجه الحق خير لنا و لكم ولآخرتكم وحتى دنياكم حيث لا ينفع ندم ولا حسرة و كما يقول المثل ( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب )) وهذا المثل ينطبق عليكم انطباقاً تاماً لأنه لا خير في كلامكم و فعلكم لأنه ليس فضة بل هو ماء آسن …….
نحن نجد من التجارب السابقة التي مارسها القادة العظام في هذا البلد العزيز استطاع الصدر الأول(قدس) والصدر الثاني(قدس) والسيد مقتدى الصدر(دام عزه) من تحقيق نجاح في مسيرتهم الجهادية واستطاعوا أن يربوا الأمة تربية وينشئوا قواعد شعبية واعية ومضحية من أجل الدين والوطن…
ولكن مع ذلك بقيت هناك شريحة من الجهلاء والسذج الذين وقفوا موقفاً سلبياً ضد ذلك الفتح المبين وتلك المسيرة الجهادية المظفرة وبالرغم من دورهم السلبي الذي به يتحملون مسؤولية دماء المؤمنين الشرفاء التي سألت على هذه الأرض المقدسة فهم مشتركون بعملهم هذا مع الطاغية ( هدام ) ومع الثالوث المشئوم (أمريكا – برطانيا – اسرائيل ) في القتل والتعذيب وكل الجرائم وهم لا زالوا يشتركون بهذا العمل أيضا وسيحاسبون في يوم القيامة عن جرائم اشتركوا بها ولو بألسنتهم ولكن بالرغم من كل ما صدر من هؤلاء الجهلة السذج لم تثنِ المسيرة الجهادية لقادتنا ولم تفشل تربيتهم وخير شاهد ما نراه اليوم من انتفاضة شعبية وتضحية من اجل الدين فهم ثمرة التضحيات التي حافظ عليها السيد مقتدى الصدر(دام عزه) بل وزاد فيها نمواً ورعايةً ودفعاً إلى الإمام والمتتبع يجد أن السيد محمد باقر الصدر(قدس) استطاع أن يؤسس في الواقع المعاش المرجعية الصالحة وجاء بعده السيد محمد الصدر(قدس) حيث بدأ بالمرجعية الصالحة ومشى فيها خطوات كبيرة من حيث التطبيق إلا انه أسس ما يكون بديلاً صالحاً ونافعاً عن المرجعية الصالحة وخصوصاً أن المرجعية الصالحة تتوقف على شخص المرجع الذي يحمل أعباء المسيرة وبالتالي بعدمه تنعدم المرجعية الصالحة وتبقى فكرة نظرية قد تنتظر العشرات والعشرات من السنين لأجل تفعيلها و هذه المشكلة نشأت بسببين :

السبب الأول : وجود حكم العصابة الظالمة التي قامت بقتل جميع المؤمنين والمجتهدين العاملين الذين يصلحون لتمثيل المرجعية الصالحة.
السبب الثاني : الاتجاه المشهوري لدى العلماء والمراجع هو عدم وجوب التصدي لأمور المجتمع والشؤون السياسية .
فلذلك قام السيد محمد الصدر(قدس) بعلاج هذه المشكلة العظيمة باتخاذ الحوزة العلمية كبديل صالح ونافع واسماها بالحوزة الناطقة وقد ذكر السبب في تسميتها بالناطقة لأنها تنطق في الأمور التي تخص المجتمع وتهتم في تربية الأمة والمجتمع التي كانت رجالات الحوزة العلمية ساكتة عنها، فالحوزة الساكتة هي غير الناطقة فيما يتعلق بالمجتمع و مشاكله وتحدياته واكتفت بالأمور الشخصية والفردية .
و استطاع السيد محمد الصدر(قدس) أن يبرهن على أن النبي محمد ( ص ) والأئمة ( ع ) هم ليسوا فقط مع الحوزة الناطقة بل هم من الحوزة الناطقة و قال أن اليوم الأول لتأسيس هذه الحوزة هو في (يوم الدار ) حيث جمع الرسول ( ص ) عشيرته وعرض عليهم الدين (( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )) (الشعراء:214) وأول من وقف مع الحوزة الناطقة في ذلك الوقت هو الإمام علي بن أبي طالب(ع) وهو أيضا منها وهكذا استمرت هذه الحوزة إلى يومنا وستستمر إلى يوم القيامة وكان هذا المشروع الذي بعثه السيد محمد الصدر(قدس) من جديد ضربة قاضية للاستعمار وللهدام لأنهم في يوم من الأيام توهموا بأنهم استطاعوا أن ينتصروا على الإسلام وقادته عن طريق ما فعلوا من جرائم ومقابر جماعية ونحن نعلم أن الثالوث المشئوم وهدام العميل كرّسوا جهدهم لمحاربة المرجعية وتحجيمها وعدم السماح لها بالتدخل بالشؤون الاجتماعية والسياسية وجعل المرجعية تعيش التقية والانعزال وإذا بزغت مرجعية تتصدى لهذه الأمور عمدوا إلى استئصالها وقتلها وهذا ما حصل للصدرين المقدسين ( رض ) وحيث أن الطغاة علموا بأن هناك ندرة في رجال الدين ممن يتصفون بصفة الصدرين ( قدس ) فقد توهموا بأنهم سيطروا على المرجعية أو منعوا من نشوء مرجعية كمرجعية السيد محمد باقر الصدر(قدس) أو محمد الصدر(قدس) و لكن الشهيد محمد الصدر(قدس) في جعله للحوزة العلمية الشريفة هي المسؤولة عن دور المرجعية الصالحة استطاع أن يجعل الصراع في صالح الإسلام وأمة الإسلام حيث قال في لقاء الحنانة ( القرص الثالث ) ما مضمونه (( ينبغي أن تكون الحوزة هي الأميرة في الدين إذا كانت على مستوى المسؤولية وهي أن شاء الله كذلك ))..

وعندما تصدى السيد مقتدى الصدر(دام عزه) لمسؤولية القيادة وحينما رأى أن هناك الكثير ممن يخطأ في تطبيق مفهوم الحوزة العلمية الناطقة استطاع السيد مقتدى الصدر(دام عزه) أن يقود المجتمع عن طريق تطبيق وتفعيل دور الحوزة الناطقة الذي اتخذها السيد محمد الصدر(قدس) للقيادة من بعده وكلنا سمع السيد الولي محمد الصدر(قدس) حينما قال (( الدين بذمتكم و المذهب بذمتكم )) وهذا بحد ذاته كلام في مشروعية التصدي من جهة وكذلك الإلزام في عدم ترك الدين والمذهب من جهة أخرى وبالتالي ليس من الشرعي والمنطقي بعد هذا لكل من يدعي عدم المشروعية بل لابد أن يلقم حجراً أو ترابا..ً
و لم يكتف السيد مقتدى الصدر(دام عزه) بتطبيق وتفعيل مشروع الحوزة الناطقة بالرغم من النتائج العظيمة التي نتجت عن ذلك بل استطاع أن يقوم بتأسيس جيش الإمام المهدي هذا المشروع العظيم الذي قام به الابن البار للإسلام وللصدرين العظيمين(قدس) ونحن لابد لنا أن نلاحظ الظروف المتغيرة التي عاشها الصدر الأول(قدس) و الصدر الثاني(قدس) والصدر الثالث السيد مقتدى(دام عزه)
فالصدر الثالث عاش في ظروف لم يعشها سلفه الطاهر وهو سقوط اللانظام الهدام وبالتالي عدم الحاجة والمبرر الشرعي للعمل بالتقية المكثفة والمركزة أضف إلى ذلك أن السيد المجاهد مقتدى الصدر(دام عزه) هو وارث الصدرين (قدس) بتجربتهما العظيمة وحسب علمي أنني لم أجد شخصاً قد ورث من الصدرين (قدس) ما ورثه السيد مقتدى الصدر(دام عزه) بل أننا ولشديد الأسف وجدنا الكثير ممن كان يفتخر بأنه من رجال الصدر الأول(قدس) أو رجال الصدر الثاني (قدس) قد تخلى عنهما علناً ولأسباب وأعذار غير مقبولة آخذين بنظر الاعتبار أن الصدرين المقدسين هما ليسا مجرد فكر نظري يعيشه الإنسان في عقله بل هما فكر وعاطفة وروح وعمل وشجاعة وتضحية وتجريد وحس ووجدان…
وأن الانتماء لهما هو الالتزام بالشريعة صغيرها و كبيرها وإيمانا راسخاً في العقيدة إيمانا لا يشوبه شك بكل ما جاء به وليس قابل للمناقشة أو التعديل كما توهم المتوهمون…..
لذلك نجد أن شخصية السيد مقتدى الصدر (دام توفيقه) هو مزيج مركب من شخصية الصدر الأول(قدس) و الصدر الثاني(قدس) مع زيادة يختص بها السيد مقتدى الصدر(دام عزه) كشفت عنها الأيام التي لم يكن عاشها الصدرين(قدس) فنجد أن السيد مقتدى الصدر(دام عزه) يتحرك على ضوء الفكرة المهدوية التي كشف عن تفاصيلها و حيثياتها والده السيد محمد الصدر(قدس) فكان تأسيسه لجيش الإمام المهدي(ع) تمهيداً للظهور و بناءاً للقواعد الشعبية المؤيدة والناصرة للإمام المهدي (عج)….
أن السيد مقتدى الصدر(دام تأييده) جسد عظمة الإسلام وقوته في رفض الظلم وعدم الاستكانة له بل واستطاع أن يكشف الوجه الحقيقي للشيطان الأكبر الأعور الدجال أمريكا ومنذ اليوم الأول للاحتلال قاد السيد مقتدى الصدر(دام عزه) لواء المقاومة السلمية لكي يقيم الحجة على جميع الناس والعالم ولكي يساهم أيضا في رص الصفوف وتربية المجتمع وإعداد القواعد الشعبية….
ولكن المحتل كشف عن حقيقته حينما قابل هذه المقاومة السلمية بالدبابات والمدافع والطائرات وأصبحنا اليوم ندافع عن أنفسنا دفاعا مسلحاً ولازال المحتل يعتدي ولازال لا يجنح للسلم ولازال كافراً محارباً …
والشريعة تأمرنا بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام جهاداً دفاعياً .

لاحظوا أن مسيرة قادتنا ظلت مستمرة ومنصورة ومؤيدة بتأييد الله سبحانه وتعالى ولم تندحر لا أمام العدو بالرغم من قسوته وبالرغم من عدته وعدده وكذلك لم تندحر مسيرة القادة المجاهدين من آل الصدر أمام الجهلاء والسذج الذين انطبقت عليهم المقولة بان الناس أعداء ما جهلوا وأن كان في وقنتا الحاضر ليسوا جهلة لأنهم علموا وشعروا بالندم كذباً وزوراً بسوء عملهم..
فان انطباق هذه المقولة عليهم فيه تسامح كبير بل هم أصبحوا
(( أعداء ما علموا وليس أعداء ما جهلوا ))
و ليت شعري إلى متى يبقى تخاذلهم؟
إلى متى؟ ليتني اعلم ونحن نقول لهم أن المسيرة الجهادية لن تنالوا منها وسوف لم ولن تدركوا الفتح..!!!
فأفيقوا من غفلتكم يرحمكم الله…))