(*)
الشخصية الرئيسة في (جبل الزمرد) هي الخاتم فهو الوعاء أما محتوى الوعاء فهو : فص الزمرد، وثمة وحدات سردية صغرى تؤكد أهمية الخاتم مثبّتة في الصفحات التالية (35- 36 –83- 141- 174- 176- ) وظيفة هذه الوحدات أستقطاب فطنة القارىء النوعي نحو جهوية واحدة هي : الخاتم.(خاتم زمرد ضائع ../128)
(*)
الخلية السردية الموقوتة في الرواية هي البحث عن مخطوطة (النزوح عن العالم) وهي مخطوطة استعملت 126 صفحة من الرواية كعتبة نصية لها ،في المخطوطة بشارة تنص (إن امرأة هي التي ستتمكن من استعادة زمردة ../127) ويبدو أن المرأة هي زمردة التي (تسعى لهدف أسمى،هو تخليص قاف من عزلته، وربطه بالعالم الخارجي ../180)
(*)
أربعة رجال أستوقفوا قراءاتي
*الرجل الأخضر العينين /43
*الرجل الواقف خلف النافذة الصارخ بكلمات حولها الضجيج الى مجرد فحيح/ 49
*رجل بجرم هائل اسمه أيليا يعاني من إنشطار ذهني فيتصور خطوات رجلا آخر يهدده /153
*الناجي من حجر الضحك /64
(*)
سيادة تأنيث النص تتتوزع بين
*بستان البحر وهي امرأة ذات مهام تاريخية كبرى
*هدير: من خلال قراءتي للنص مرتين، أقول هي شابة ذات بعد واحد، لم تنشد قراءتي لها بخلاف شخصية عمتها(شيروت)
*نورسين : والدة زمردة، هي نص مهمل بقصدية أخلاقية( همش أسلافي سيرة نورسين زوجة ملك قاف كأنها وصمة عليهم التخلص منها/ 25)
ونورسين أجمل مخلوق صادفه ملك جبل قاف / جبل الزمرد وهي أيضا أثقف امرأة فوالدها العلاّمة أتاح لها مكتبة عامرة بالكتب
*زمردة : شخصية متمردة على نسق الفحولة وهي محور الرواية
*مروج : امرأة ذات وظيفة مزدوجة : تدميرية/ إنبعاثية : فهي التي تسببت في قتل زمردة وهي تدعو الى بعثها من خلال تكرار سرد سيرتها ..
(*)
تأفقت حياة بستان البحر بسواد يطاردها (طوال عمري تقريبا عشت مطاردة بأفق أسود يتراءى لي، يهجرني لفترات،ليعود أشد عزما على ملاحقتي ! /123)..وبستان البحر بشهادتها (أتعامل مع نفسي كأني في مهمة لإنقاذ البشرية / 196) والبشرية بالنسبة لبستان البحر (جماعتي على الأقل ) و بستان ليس ذات بطولة مطلقة، في تشغيل السرد، لكن السرد لايتقدم بلا فاعلية بستان : كما جاء في الصفحة الأولى من الفصل الاول(غبار الطريق).. إذن الأساس هو بستان أما الرئيس في الحدث فهو هدير (أنت مغناطيسنا ياهدير اللي بيشوفك من المنحدرين من قاف هينجذب لك زي حديد بينجذب الى مغناطيس ..هيحس إنك مرتبطة بشكل ما بماضيه ./ 195).. كما أن وجود هدير شرط أساس لإستعادة النسخة الام للمدونة الحكائية، بعدها ستنهض الاميرة من رمادها مثل العنقاء ويعود قاف الى الى سابق عهده ، وهنا سيطوق قاف نفسه بأفعى من مجاز اللغة، بعد أن كانت تطوقه أفعى عمياء لتمنع أهل قاف عن مغادرة عبودية الزمرد
(*)
بستان البحر بشهادتها هي أنها تحمل حملا ثقيلا (يجعل روحها رهينة له / 122) في حين أرتهنت حياة (هدير) بالمشتهى البريء في طفولتها وهو خاتم الزمرد، وحيلة السرد هي تلفيق ضياع الخاتم، وضياع الخاتم هو التالي أما الأول فهو أختلاس هدير لخاتم أمها ..أما الثاني فهو الخروج به من البيت الى حديقة بيت جدها، وهذا التلفيق السردي هو الذي يمهد لما هو أهم، لأن أختلاس الخاتم والأحتفاظ به لفترة معينة، في إصبع هدير لايتسبب بضياعه في حالة تملص الخاتم من أصبعها وتدحرجه إذا بقيت هدير داخل البيت، أما تواجد هدير في حديقة البيت وبتوقيت الليل وبوجود ماهو أكثر متاهة من الليل ومن الغابة والذي أصبح مضرب الأمثال للمستحيل أعني بذلك : القش ومسرح الحدث الأهم: إذ يسقط الخاتم من أصبعها ويغوص في كومة القش !! أكرر أن الشخصية الرئيسة هي خاتم الزمرد أما هدير فهي بمثابة ظل بشري للخاتم، ومسارها ومسيرتها الحياتي مطوقة بالجبر التاريخي وبشهادة باغ دريا/ بستان البحر : (ولدِت هدير وهي تعرف ماعليها فعله في الحياة بل وكيف تفعله أيضا ../142)!! هذه الشفرة تنتسب الى اللامنطق الحكائي، الذي يرفع هديرا ، الى عصر السرديات الكبرى والحتميات التاريخية – بحسب فرانسوا ليوتار –
وكذلك ماسيجري في تلك الليلة وهي في المكسيك مع كريم خان (84) وليس هدير وحدها التي تسأل بل أنا كقارىء أسأل أيضا (ماحكاية بستان البحر؟ وكيف عرفت كل هذا؟../ 147) وتزداد حيرتي كقارىء من منتصف الصفحة ذاتها الى الصفحة 151 حيث تتقمص باغ دريا/ بستان البحر شخصية هدير وتكون ضميرها المتكلم (سافرت أمي أمس … ) حتى الثلث الثاني من ص150 وبشهادة بستان البحر (هذا الجزء تحديدا صعق هدير، شعرت كأني تسللت الى لاوعيها وقبضت على مشاعر لاتجرؤ على الاعتراف بها حتى لنفسها وصغتها بأسلوب لاتقدر هي عليه، خافت مني وشعرت أنها عارية أمامي. خطر لها أني أقرأ أفكارها وأسخر منها..) وقبل هذا وذاك علينا التوقف عند ما تسرده علينا: بستان البحر،عن هدير (خطر ببالها ماعايشته في مطعم الجبل، تمنّت لو أن حياتها تمضي هكذا لو أنها تسبح في فضاء من تلال زمردية، وسحب بيضاء، وعوالم عجائبية،شملتها سكينة انتشلتها من محيطها. قررت لحظتها، البحث عني) هذا السرد لايتوقف عند السطح أو السرد السياحي، هذا سرد ينتسب للسارد العليم.. ويمكننا معالجة هذا الإشكال حين أستعين بقراءتي الثانية للرواية.وأتوقف عميقا عند الفصل المعنون( وحدها في مدينة صاخبة).. في هذا الفصل تكون بستان البحر، بوظيفة سارد عليم وتخبرنا كيف (أضاعت هدير زمردة في طفولتها../ 35) ثم تنتقل الى هدير في الجامعة وهي( في الحادية والعشرين من عمرها سارت وحيدة،تسحب حقبة مكتظة بملابسها../36) للسكن عند جدتها، لوالدها .وتدخل بستان البحر مكتبة الجدة ليس ميدانيا بل كساردة عليمة فتخبرنا (تمتلك جدتها مكتبة عامرة بكتب تتناول حقولا معرفية شتى../110)
.ثم تختصر الساردة راهنية هدير اجتماعيا (شعرت أنها مهجورة من الآن فصاعدا: والدها في دبي مع زوجته الثانية،وأمها في تورنتو مع زوجها الجديد../39)
وحدها شيروت قنديل جدتها لأبيها تراها قوية وجميلة وما عليها إلا رؤية هذا الجمال،والتصالح مع هذه القوة وعدم التنكر لها وحدها الجدة تراها (صلبة كالماس،جميلة كالوردة، وناعمة كالطيفة ../73) وهدير كيف ستقوم بإيقاظ فاعلية تسميتها و(الشرود سمة أساسية عندها../77) بشهادة كريم خان !!
(*)
بلوقيا الناجي من جبل المغناطيس يبدو أنه (مكشوف عنه الحجاب) من خلال(المشهد الذي تشكل أمامه في السوق ورؤيته للأميرة زمردة تتجول في حديقة على هيئة متاهة ../115) وقبل بلوقيا أنكشفت الرؤيا لهدير وهي في المكسيك ورأت قصرا باذخا من الزمرد المزين بالياقوت وأبصرت أميرة طاغية الحسن تركض في ممرات حديقة على هيئة متاهة وطيور رخ محلّقة وعفاريت سابحة ومسافرا ثقبض على ثيابه مخالب طائر عملاق ،/ ص84 وسأعرف كقارىء للرواية ان المسافر هو بلوقيا حين أصل الى ص 114 وبلوقيا لايتقن فقط السرد الشفاهي بل يتقن سردا كريما جدا وثمينا جدا ونادرا، بلوقيا يسرد بالزمرد جماليات الوجود الآسر فهذه الجماليات تجعله أسير المكان الأول (كان يبث الجواهر والمعادن النفيسة حنينه لمدينته ومعلمه وجدته وأماكن صباه../116)
(*)
ترى قراءتي المنتجة أن القش ضرب من مجاز البلاغة أكثر مماهو ملموس ميداني ريفي، ومن باب إساءة التأويل أن القش هو متاهة السرد المتضافر بين الواقعي والسحري في نسيج الزمرد الروائي.. من كل هذه الموتيفات المتعاضدة سينهض الزمرد مسرودا روائيا بسعة (220) صفحة
(*)
مدوّرة السرد معلنة في الصفحة التاسعة من الرواية وهي صفحة الرواية .تقابلها الصفحة الأولى من الفصل الأخير للرواية / ص 197
في (غبار الطريق) وهو الفصل الأول من الرواية، يستقبلنا المقبوس التالي،تحت عنوان الفصل (لست ُ أنا..أنا منذورة لشيء غامض، وماعليّ سوى المضي قدما والتوحد بمصيري../9) .. في(مطر من زمرد) وهو الفصل الأخير من الرواية
(*)
العنوان الجمالي للرواية هو (جبل الزمرد): مثبّت على وجه غلاف الكتاب، لكن في الصفحة الداخلية الأولى،من المطبوع،نقرأ تحت العنوان الجمالي، العنوان الذرائعي/ التفسيري التالي( أو الحكاية الناقصة من كتاب الليالي) وفي الصفحة التي تليها يتكرر الحال نفسه . من هذا المنطلق تحاول قراءتي تفعيل أتصالية بين العنوان الثاني للرواية وبين كلام المؤلفة في تعليقها على المقبوس الحكائي في الصفحة الخامسة غير المرقمة، المؤلفة تثبّت المقبوس التالي( حكاية لو كُتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن يعتبر) هذا المقبوس له وظيفة الاعلان التجاري الحكائي العام، فهو لايخص (جبل الزمرد) بل تنويعات الحكي الألفي . الذي يهم قراءتي هو تعقيب المؤلفة منصورة عزالدين على المقبوس 🙁 حسنا ! فلتكن الكتابة حفرا على آماق الأبصار،فلتكن طريقا لعماء يعمّق الرؤية !) ..وهكذا تضعنا المؤلفة أمام مهنة شاقة، كما فعلها سابقا أورهان باموق في روايته(أسمي أحمر) حيث كان الرسامون ينتظرون بشارة العماء لتنال رسماتهم الخلود ..وعماء يعمق البصيرة يعيدني الى مثنوية الناقد بول د يمان في كتابه (العمى والبصيرة) وبشهادة محمود درويش (لست أعمى لأرى)..
(*)
الصفحة التالي تقوم بتقشير معنى (جبل الزمرد) وهي صفحة تستدعي من التاريخ الهجري شهود عدل، والأصح يستدعينهم القرطبي في تفسيره :
(وأختلف في معنى (قاف) ماهو؟ فقال ابن زيد وعكرمة والضحّاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء أخضرت السماء، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقببة، وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبل / تفسير القرطبي)
وهنا تحصل الرواية على عنوان ثالث وهو ( قاف) أو (جبل قاف)
(*)
يخبرنا السطران الأول والثاني بالكلام التالي (لست ُ لي ! لطالما تيقنت ُ من هذا منذ وعيتُ ترافقني سيرة زمردة أتنفسها وأحياها كأنني واقع معاش وامرأة من لحم ودم تشاركني أنفاسي ../211) ومابين القوسين هو خلاصة اتصالية التوحد والتماهي بين ذاتين، أعني ذات هدير وذات بستان البحر. وهذه الاتصالية المتماهية هي النسيج السردي للرواية برمتها بين امرأتين ..والتدوير السردي معلن عنه من داخل النص يتجسد بالمقبوس الداخلي في الفصل الاخير وتحت عنوان الفصل مباشرة .من خلال الكلام التالي (الكتابة انغلاق الدائرة…)
(*)
في الصفحات الأخيرة من الرواية سنتعرف الى هدير مبأرة من خلال زمردة وهي تسرد لنا عن هدير (186- 196) والمسرود هو خلاصة / وتدوير سرد بنسبة عالية .وخلاصة الخلاصة هي (وجود هدير لا غنى عنه لاستعادة الحكاية الأصلية تمهيدا لانبعاث الاميرة من رماد احتراقها وعودة قاف الى سابق عهده /194) !!
(*)
من خطين متوازيين سرديا، يكون حراك الرواية
*خط أفقي يشتغل في قاهرة 2011
*خط عمودي يشتغل على ذاكرة الأسطورة والتاريخ
وبشهادة كاهنة الأبيض والأسود التي اسمها (بستان البحر) (في العام الحادي عشر من الألفية الثالثة،وفي شقتي المطلة على نيل الزمالك أنكفىء على التدوين بلا كلل،عالم قديم ينهار بالخارج،وأنا مشدودة الى كلمات مراوغة، تمر بذهني مشاهد من أزمان مختلفة،أقتنص بعضها ويتملص مني البعض الآخر.أراني طفلة فوق جبال الديلم في ستينات القرن العشرين ../ 9) وسيقوم الأب بشحن ابنته بمسرودات ورقوق ومدونات (من دهاليز التاريخ الغابر../11) وعند بلوغها الثامنة عشر، ستبدأ رحلتها المعرفية وحدها، تبدأ رحلتها بغابة الرأسمال المعولم نيويورك وتنتهي في قاهرة المعز لدين الله..(بستان البحر) وبشهادتها( لن يتمكن أحد من اكتناه ما أخبئه ولا ما أقدر عليه،كما لن يكون على علم بخفايا الوقائع التي جرت قبل قرون،ولها نذرت حياتي،لذا عليّ أن أكون الكاتبة،أو بالأحرى الحكّاءة المنوط بها ملء ثغرات الحكاية وضم أجزائها معا…/ 9) وشهادة بستان البحر تكشف عن أفق التاريخي في الراهن، وتظهر وظيفتها كمنتجة النص داخل نص الرواية .. نعم هي جامعة للنص والموثقة لها والملفقة بين أجزائه وبشهادتها أيضا (حكاية لستُ بطلتها، لكنها لن تكون من دوني) وهكذا تكون مسؤولية بستان البحر :هي الخارج الذي يصون الداخل النصي ويحصنّه .وجبل الزمرد/ جبل قاف : هو نص الذات / العالم وهو(الحكمة المؤدية إلى فهم الذات ومن ثم فهم العالم ../19) نلاحظ أن مشروطية الفهم تبدأ بقراءة الذات لذاتيتها فهذا القراءة هي مشروطية قراءة العالم
(فأنغمس أكثر في ذاتي وأجاهد حتى لا أنفصل عمّا حولى /21) وفهم الفهم لايتم بلا شطب ومحو وتدوين وتدوير التدوين نفسه بصياغات عديدة وهكذا تتكشف للذات قدراتها البريئة مثل طفل (يشيّد قلاعا ً ثم يهدمها احتفاءً بقدرته على الخلق والتبديد معا../21)
(*)
السارد الأساس هو (بستان البحر) وظيفتها لملمت جزئيات سردية وتركيبها، وبشهادتها (ملء ثغرات الحكاية وضم أجزائها معا ../9) ..ووظيفة بستان البحر إستعادة المفتقد النصي وبشهادتها أيضا (أنسج الكلمات لأحيك ثوب الحكاية الناقصة من كتاب (الليالي)../12) ولايمكن نسج النسيج بلا عتبات تقصّي وبحث عن مخطوطات ومفقودات والتنقل بين الأمكنة والأزمنة والإنظمام الى حلقة أو خلية (دراويش الليالي)..
(*)
يسطع السرد السياحي من خلال سفرة هدير الى المكسيك (74- 85)
(*)
يشتغل السرد أحيان بإستعادة نفسه كوجيز لسرد مفصل أفترش صفحات من الرواية سابقا، والسارد الثاني هنا هو امرأة اسمها مروج، بدءا يملي عليها الطيف وهكذا يكون السرد تصنيفا من الأمالي ، ثم ليلا تستدعي كلام الطيف لتدون حكاية مدينة تغيرت أقدارها وكذلك تدون سيرة بلقيا وسيرة إيليا / ص165
(*)
وهناك استعادت شريط فيلم السرد ، فماجرى بين بلوقيا وزمردة وهما في عريهما المتشابك / ص163 ، سيعيد الطيف : هذا الشريط لتشاهده مروج في ص184 وهذا الكهف سبق وإن دخلته مروج بقدميها ومارست العري نفسه مع الطيف / ص 138
(*)
في تسلقي الثاني لجبل الزمرد تضوع بين السطور شبح بورخيس الموّلع بالليالي الألف كما دلف في لحظتي التي تلاحق السطور شبحا أمبرتو أيكو في أسم الوردة، مثلما سيرافقني كالفينو في قصص (نحو الجنون)..
(*)
في ص14 من رواية( جبل الزمرد) في الثلث الثالث من الصفحة، تدخل قراءتي في قصة (ست شمعات) أحدى القصص القصيرة في (نحو الجنون) مجموعة قصصية للقاصة والروائية منصورة عزالدين .
(*)
النص الملعون مثل الباب الملعون / المحرّم فتحه في القصر، كلاهما المغلق الشهي الذي يستفز النفس على المغامرة لأكتشاف المضنون به على غير أهله .القارىء سيكتشف أن جبل الزمرد هو الاسم التالي أو العنوان الجمالي، أما الاسم الأول فهو جبل قاف . و(ق) من النجوم الزاهرة في مجرة القرآن الكريم وحروفيا (قاف هو الحرف القابض على سر وجودنا والمُلم به كمحارة تحتضن لؤلؤة../26) و بشهادة نورسين في إصغائها لأبيها، لاينتسب قاف للأمكنة ، قدر إنتسابه للجوهر الفرد البعيد المنال (ليس مكانا حقيقيا،إنما جوهر الحقيقة صعبة المنال ).
وهذا التعريف يتسق مع منظومة المعارف التي تنضّدها سرديات باغ دريا / بستان البحر فكل المفقودات يجري من أجلها : حراثة المفاهيم والتعاليم والتواريخ لإستعادتها فلما خطف الملك ياقوت نورسين .بدأ العلاّمة والدها بالميداني( لم يترك والدها مكانا في جولستان وما جاورها إلاّ وبحث عنها فيه../27) ثم انتقلت الى البحث المعرفي (عكف على الغوص بين مجلدات مكتبته، عله يجد فيها تفسيراً يقبله عقله. .)
الزمرد هنا يتحول من ملكوت الى منفى شرس بالنسبة للعامة ،فهو يبعد عن كوكب الأرض بعدة سنوات بشهادة الملك ياقوت وهو سجن إنفرادي مفخخ، بشهادة الوصيفات (ملكة الحيات تلتف حول هيكله كأنما تعتصره؟ حية لامثيل لها تحميه من تطفل أي مخلوق،كما تمنع سكانه من مغادرته وتبقيهم أسرى سجن من زمرد ثمين ../ 28) وكبير الحكماء تفزعه رغبة نورسين بالتخلص من الحيّة فهو يرى أن الحية :
*تحميه
*تحفظه
*تلتف كأم حنون
ويرى كبير الحكماء( أن عزلة قاف قدرية ولا دخل لمخلوق فيها) إذن هي جبر لافكاك منه حتى قيام الساعة !!
(*)
الساردة العليمة في التاريخ والميثالوجي والديني هي نفسها سارد ربيع 2014 وهي ساردة ومشاركة في صوغ فص الرواية ولهذه الساردة قفزات الكنغر بين الأزمنة / الأمكنة وعلى القارىء أن يطلق كلب صيده في أثرها ويكون قناصا مترصدا حتى لا تتماوج خيوط النول وتتعقد . وهي ساردة عليمة بذات الصدور وحاضرة في المشهد حتى وإن كانت نائمة !! وهكذا تكون ساردة بوظفتين :
*ساردة مشاركة
*ساردة عليمة
وشاهد عدلي هو السرد التالي .في فصل (الفتاة التي أضاعت خاتم الزمرد ) فالساردة بستان البحر تخبرنا أن هدير (في غرفة مكتبتي، جلست هدير تسوّد حكايات شعبية ..وكانت قد أفرغت الاشرطة المسجلة وجاء هنا لتعيد كتابتها وتنظيمها../141) ثم تخبرنا الساردة بستان البحر عن نفسها (استأذنتها وذهبت لأحظي بقيلولتي المقدسة) وهي مقيلة ستسرد لنا ما قامت به هدير من تفتيش في رفوف المكتبة وتذكر لنا كتبا من التراث العربي الاسلامي وقائمة الكتب المذكورة في ص141 سيرد ذكرها أيضا بعد نهاية الرواية / خارج النص – داخل المطبوع
في ص221 وستخبرنا منصورة عزالدين عن الكتب نفسها وتضيف كتبا حداثية..
هنا تتمازج العناصر الثلاثة – إذا صح المجاز – الروائي والسارد والبطل ..أقول قولي هذا وأنا أقترض من المعرفي الكبير الناقد جورج طرابيشي في كتابه (الروائي وبطله : مقاربة لللاشعور في الرواية العربية/ دار الآداب /1995) ومايجري في هذا الفصل من (جبل الزمرد) يتحدد بالصفحة الأولى فقط ص141
(*)
فصل( رابونزل) وظيفته السردية شبه عاطلة، وكان يمكن استعمال بعضا منه وتحديدا الذي يخص الخاتم في أي مكان من فرشة السرد، فمن سياق الرواية أنحسم دورها الروائي في الصفحات الأولى من الرواية وتحديدا مع فصل (وحدها في مدينة صاخبة /35- 39) وكان السرد ماهرا في اختزال دورها في هذا الفصل الذي يمتد من ص35 الى52 وتشخيص سلوكيتها وفي هذا الفصل كان يمكن التركيز على الجانب النفسي من شخصية نادية (تخلت عن شعرها فصارت تمتهن التخلي وتتقن الخسارة، كان تدريبها المبكر على الهجر../168) والمثال الثاني هو الأقوى
(لكن علاقتها بالتخلي لم تبدأ بقصه، إنما قبل هذا بأربع سنوات كانت في الخامسة من عمرها تلعب فوق سطح بيتهم بطائرتها ورقية../168) كانت سعيدة جدا بلعبها وتمنت لو تطير مع الطيارة الورقية … فجأة (وبلا مقدمات تركت الخيط يفلت منها ووقفت تراقبها تبتعد عنها. لم تحزن ولم تندم../169)
(*)
الفصل الأخير(مطر من زمرد) لا وجود للمؤلفة كأسلوب، فهي غيّبت بصمتها ..تراجع صوت المؤلفة ولم يحدث أي تماه بين صوتها / بصمتها وصوت وبصمة ماركيز الأسلوبية بل أن المؤلفة تنّحت تماما، لتحل بصمة ماركيز الأسلوبية/ الواقعية السحرية
(*)
مسك مقالتنا : هو السؤال الإجناسي التالي،أكتنز النص الروائي (جبل الزمرد) : أجناسيات وطبقات نصية وتعامل معها بحسب نظرية الموازنة بين العوالم :
*الأسطورة
*الحكاية الخرافية
*الحكاية الشعبية
*الواقع اليومي
وهذه العوالم، منها نهضت منظومة السرد بخيوطها المتشابكة والمتقاطعة والمتداخلة
*المقالة منشورة في (طريق الشعب) 7/ 8/ 2018
*منصورة عزالدين
(1)جبل الزمرد/ التنوير للطباعة والنشر/ القاهرة – بيروت – تونس/ 2014
(2) نحو الجنون/ دار ميريت/ القاهرة/ 2013