في سالف العصر والأوان، جلس حبيبنا السلطان، وكان الصمت قد ساد، والقلق على صحة الزعيم زاد، فلما نظر إلينا وابتسم، الفرح على وجوه العباد ارتسم!.
كان مولانا قد ملأه الضجر، ولاتباعه ووزرائه قد زجر، وانفذ الكتب في الآفاق، ان اجلبوا لي كل أفّاق، والشعب في عينيه متهم، والجو مكفهر ومدلهم!.
فلما اجتمع على عجل الناس، خطب بهم السلطان خطبته الأساس، فقال قولاً لا يلين، والرعية تنظر اليه دامعة في حنين، والسوط يروح ويغدو، يختار ذبيحته كما يبدو!
شكا السلطان بحزنٍ ماكر من قلة الوفاء، وتألم بقلبٍ خادعٍ من تذبذب الولاء، وصرخ فيهم دون احتمال زاجراً، وتوعدهم بالحديد والنار مزمجراً!
ثم لما سكت بعد طول انفعال، عاد ليمنحهم بركات فكره وأقواله الطوال، وعدد لهم بعاطفة مكرماته، ألا يكفي أنه منحهم بعضاً من وقته وحياته، وقال لهم بتكاسل وفتور، انظروا كيف غدت حياتكم في خير وحبور!
ابتسم المعدمون والمعذبون في رضا، وقالوا في انكسار شكراً لمنحنا الفضا، فأمرنا بما ترغب وتريد، ستجد سمعاً وطاعة ويزيد، وهنا قهقه الحاكم حتى كاد ان يسقط، وغلبه القبول والارتياح المفرط!
لكن صوتاً متردداً طلب الكلام، والكل حينها في ذهول واستسلام، قال: يا مولاي لقد آلمنا فتات الكلام، فكسرة الخبز هي الطعام، ويا عجباً اين هو الخير الوفير، ورقابنا من رعب الجند تكاد تطير؟!، والحياة أساسها العدل يا مولاي السلطان، فاحذر من صمت مظلوم يخفي تحته البركان، ولا يغرنك ظاهر الاستقرار، فالوطن يا سيدي يكاد أن يأكله الاعصار!
هنا هاج الجمع وماج، ومن عزيمة مكبوتة حصل الارتجاج، فهتف القوم بالقول المبين، لا حياة لجلاد لا يلين، لا حياة لجلاد لا يلين!.