” مفتاح كل العلوم… هو علامة الاستفهام !!!”
المعرفة بالمعنى المعتاد تعني معرفة ماهية الأشياء أو الكائنات الأخرى، والمخلوقات والظواهر، وما هي خصائصها والعلاقة بينها، وتؤخذ الكلمات “الموضوع” و “الوجود” و”الظاهرة” هنا بمعنى واسع للغاية، وإذا كانت العملية التي يشارك فيها الإنسان بأهدافه وأساليب التقييم بمثابة كائن أو ظاهرة، فيتم تمييز المعرفة حول كيفية تنظيم العملية، وكيفية القيام بعمل معين أو تسلسل الإجراءات كنوع خاص من المعرفة، وهل هذه الخاصية قابلة للتطبيق على المعرفة بالمعنى المحدد لـاقتصاد المعرفة أو إدارة المعرفة، والتي تسمح بإدراج جميع الأصول غير الملموسة في فئة المعرفة؟ للإجابة على هذا السؤال ، حاول استبدال كلمة “المعرفة” بعبارة “الأصول غير الملموسة” ستكون النتيجة صياغة تحتاج إلى توضيح وتصحيح مما يمكن قراءة شيء ما على أنه استعارة سوقية، وعبارة “الأصول غير الملموسة كعامل نجاح” كما هو مطبق في مجالات النشاط التي تتجاوز السوق أو خارج هذا المجال تمامًا. وإن فهم مجتمع المعرفة ينطوي على اقتصاد المعرفة، لكنه لا ينزل إليه، فهو في حقيقته مجتمعا يتطور تلقائيا وديناميكيًا، ويتم تحديد نوعيته عبر الإدراك الواسع لدور المعرفة كشرط للنجاح في أي مجال من مجالات النشاط، ولوجود حاجة مستمرة إلى معرفة جديدة ضرورية لحل المشكلات الجديدة والحاجة الدائمة لإنشاء أنواع جديدة من المنتجات والخدمات، شرط توفير الأداء الفعال لنظم إنتاجه ونقله مع التزويد المستمر والمحفز للطلب عليه والتفاعل الحقيقي داخل المنظمات والمجتمع ككل، لذلك يهتم اقتصاد المعرفة كتوجه جديد في العلوم الاقتصادية أيضًا بالبيانات المتعلقة تقليديًا بالعلوم لكنه يجدر بنا ان ندرك انه لا توجد حاجة إلى ان تكون لنا معرفة جديدة فقط في الاقتصاد ، وانما يجدر توفرها في جميع مجالات النشاط البشري ولذلك نلمس انه يتم إنتاج ونقل المعرفة ليس فقط في سياقات السوق ، ولكن أيضًا خارجها فعمليات تسويق العلم والثقافة والتعليم هي حقيقة واقعة، ومع ذلك فإن تلك العمليات تؤثر فقط على جوانب وشظايا معينة، ولذلك نجد انه يستلزم ان تصبح نسبة كبيرة من منتجات المعلومات التي يتم إنتاجها في مجتمع المعرفة ملكًا عامًا ، والمكافآت لمبدعيها ليست على أساس تجاري ، أو يمكن أن تكون رمزية ، أو حتى لا يكون لها تعبير نقدي، غير اننا نعترف إن استخدام مفاهيم العرض والطلب لفهم الوضع في مثل هذه المجالات ينبغي الاعتراف به على أنه مفيد بشرط ان يكون ذلك فقط لأنه يضمن عدم تجاوز حقوق إطار الشخصيات الإبداعية، لكننا هنا لن ننكر ان الحاجة إلى التعليم وإعادة التدريب والتعليم الإضافي و “التعليم مدى الحياة” أحد الاحتياجات الإنسانية الأساسية في مجتمع المعرفة، وهنا نؤكد على حقوق اساسية في انه ولتلبية مثل هذه الحاجة الأساسية في السوق تستوجب ان تحمل الدولة والمؤسسات العامة الجزء الأكبر من تكلفة التعليم وتوفيرها وتوفير مستلزماته مجانا وللجميع.
تجدر الإشارة إلى أن تعبيرات “مجتمع المعرفة” قد ظهرت في الآونة الأخيرة نسبيًا ويستخدمها بشكل متزايد علماء الاجتماع والاقتصاديون ومنظري الإدارة لفهم العمليات التي تحدث في الحياة الاقتصادية والسياسية، وفي مجال المعلومات، وفي هياكل التعليم والعلوم، وفي العلاقات داخل المنظمات وبين المنظمات لدرجة ان المعرفة اليوم أصبحت موضوعًا لمصالح اقتصادية وسياسية وثقافية هائلة لدرجة أنها يمكن أن تعمل على تحديد الحالة الجيدة لمجتمع بدأت خطوطه العريضة في الظهور أمامنا، مما جعلته يكتسب ميزات المثالية الاجتماعية الجديدة التي تحدد اتجاه استراتيجيات وبرامج الهياكل الوطنية والإقليمية والدولية. وقد أصبحت فكرة مجتمع المعرفة كمجتمع للمستقبل موضع اهتمام عام واسع لكنه علينا ان نعرف ماهية وكيف يختلف مجتمع المعرفة عن مجتمع المعلومات؟ وكيفية اختلافه عن مجتمع ما بعد الصناعة؟ ومن الواضح أن إجابات هذه الأسئلة تعتمد على المعنى المضمن في المفاهيم يقال أحيانًا أن فكما يوحي الاسم فأن مجتمع ما بعد الصناعة يحل محل المجتمع الصناعي، وبتطوره يصبح مجتمع ما بعد الصناعة إعلاميًا أي أن مجتمع المعلومات هو مرحلة في تطوير مجتمع ما بعد الصناعة، ويتبع مجتمع المعلومات مجتمع المعرفة، ولذلك قد تتشابك العمليات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية التي يتم فهمها بمساعدتها بشكل وثيق، ومنها نجد ان مجتمع المعلومات في إطار المفاهيم الأساسية يعد ذو مستوى عال من تطور تكنولوجيا الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولاحتوائه بنية تحتية قوية للمعلومات، وهذه الميزة المهمة لمجتمع المعلومات تتمثل في زيادة الوصول إلى المعلومات لمجموعة متزايدة من الناس فتنطلق جميع المفاهيم والبرامج تقريبًا لتطوير مجتمع المعلومات من حقيقة أن المعلومات والمعرفة في عصر المعلومات أصبحت مورداً استراتيجياً للمجتمع. وهنا قد نجد من يقول ان الاصح ان لا نقول اسم “مجتمع المعلومات” هو أفضل طريقة لفهم خصائص مثل هذه الظواهر والعمليات وإن تعبير “مجتمع تكنولوجيا المعلومات” سيكون أفضل ونحن نوافقه الرأي مع انه وان تم اتخاذ القرارات دائمًا على أساس المعلومات وموثوقيتها واكتمالها من حيث المعلومات ستؤدي دورًا مهمًا، فهنا يجب أن نعترف بأن المجتمع البدائي كان إعلاميًا ايضا ومعلوماتيا غير إننا نتعامل اليوم مع طريقة ثابتة بالفعل لاستخدام الكلمة ونعتقد أن محاولات استبدال مفهوم “مجتمع المعلومات” بمفهوم “مجتمع المعلومات والتكنولوجيا” من شأنها أن تؤدي إلى التشويش بدلاً من توضيح جوهر المسألة.
من الصعب تخيل أنظمة تعمل بفعالية لإنتاج ونقل المعرفة دون وجود تكنولوجيات متطورة للمعلومات والاتصالات ، وهي بنية تحتية قوية للمعلومات تمكن من الوصول إلى المعلومات والمعرفة لمجموعة واسعة من الناس، كما وان دور المعلومات كمورد استراتيجي في مجتمع المعرفة لا يمكن إنكاره، وبالنظر إلى كل هذا فأنه يمكننا القول أن مجتمع المعرفة لديه كل خصائص مجتمع المعلومات، وإن مفهوم مجتمع المعرفة لا يتطابق مع مفهوم مجتمع المعلومات، لأنه يتضمن محتوى الخصائص المتعلقة ليس فقط بتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانما من حيث المبدأ يحتوي أية تقنيات أخرى ومجالات تطويرية لكل نشاط، ومع انه تم النظر إلى مستوى تطوير تقنيات الكمبيوتر والاتصالات كمؤشر على التطور العلمي والتقني والصناعي لبلد ككل وحتى كمؤشر على الطبيعة الديمقراطية للمجتمع غير انه لا يمكن استبعاد أنه ولربما في المستقبل سيتم تنفيذ دور مماثل من خلال التقنيات الأخرى كما هو حاصلا الان في تقارب التكنولوجيا النانوية، والتكنولوجيا الحيوية، وكذلك في المعلومات والتقنيات المعرفية والاجتماعية الإنسانية. وهنا نبين ان مفهوم مجتمع المعرفة يتشابه تشابهًا كبيرًا مع مفهوم مجتمع ما بعد الصناعة لأنه مجتمعا قائما على المعرفة ولذا لا شك في ضرورة اعتباره مجتمعا لما بعد الصناعة، ومع ذلك فلا تؤدي المعرفة العلمية دورًا مهمًا هنا انما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار تفرد الأنواع الأخرى من المعرفة بما في ذلك المعرفة المتراكمة في عملية النشاط العملي ، ونتائج ملاحظات الحياة ، والمعرفة الفنية ومعرفة “الأعمال” التي لا تصل إلى الحالة العلمية والنظرية من أجل فهم أسباب نجاح الابتكارات في بعض الحالات ، وفصل النظرية عن الممارسة في حالات أخرى، ومن ما تقدم نلمس ان مصير التكنولوجيا ، حتى الأكثر تقدماً والأكثر إلحاحًا من قِبل الناس ، يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت العوامل النفسية والاجتماعية قد تم أخذها في الاعتبار بشكلٍ مناسب من قبل المبدعين والمروجون لها، مما يؤكد خصائص مجتمع المعرفة بوجوب فعالية أداء نظم الإنتاج واكتساب المعرفة وتطبيقها وإنتاجية تفاعلها. وختاما فأن موضوع مجتمع المعرفة هو موضوع واعد للكتابة والبحث، يمكن للباحثين فيه وعنه أن ينطلقوا من أفكار مختلفة حول ماهية مجتمع المعرفة فليس من المعقول توقع أن يتم الوصول إلى تعريف معترف به عالميا، لذلك فأن الهدف ليس تحقيق هذا التعريف ، بل أن الباحثين فيه يتجاوزوا السياق المتخصص، ويكتشفوا جوانب جديدة من الموضوعات والظواهر المدروسة والغير مدروسة، والعودة بالمدروسة إلى سياقها المعتاد، وتغييره، وصياغة أسئلة جديدة ومهام بحثية ومعرفية متطورة.