العديد من الأفواه المصدحة والأقلام الناشطة , يحملون رخصا للتظاهر بأنهم يعارضون الكراسي أو يوجهون لها النقد , وفي هذا تضليل وخداع وتمويه.

فتجد على المنابر مَن يتكلم ضد كل شيئ قائم , وهو المنعم المكرم والمستفيد المفضل , ويعيس في رخاء وترف , ويتبجح بكلامه ويوهم الأشقياء بأنه لسان حالهم , فينخدعون ويهرولون خلفه لأنه نطق بما فيهم , ليواسيهم ويحشرهم في أوعية التبعية والخنوع , وإستلطاف ويلات السمع والطاعة.

وترى مَن يكتب وكأنه ثائر مغوار , وناقد هدّار , ويتمتع بإمتيازات مادية ومعنوية وتسويقية لا حدود لها , والناس يصدقون , وله يهللون , وما أصابه ضرر , بل عنده المزيد من الغنائم ويغرق في الثراء والتفاعل مع الكراسي بحرية وأمان.

هؤلاء أبواق الزمان الذليل المُهان , ولكل زمان أفواهه وأقلامه , وقد إختلط حابلها بنابلها , وعمّ التشويش والتشويه , وتحولت الأيام إلى حلبات للمصارعة الحرة , هدفها الضحك على الجمهور , وإثارة مشاعره , وحقنه بما يساهم في المزيد من المتفرجين , لتحتشد بهم ملاعب المتاجرة بالإثارات الإنفعالية , التي تعمي الأبصار.

هؤلاء أعوان الكراسي والمروجون لخطاياها وآثامها , والمبررون لقرارتها الجائرة , فكأنهم يخدّرون الناس , ويعززون إستلطافهم للمآسي والويلات , وفي ترفهم فاكهين.

ترى لماذا يصدقهم عامة المواطنين؟

ولماذا لا يبصرونهم وكأنهم يتخيلونهم؟

هل هو الخوف وضياع الأمان , والتجهيل المبرمج والتغفيل الممنهج , وطوابير الحروب النفسية القاضية بغسيل الأدمغة وحشوها بما يؤمّن سلامة المصالح , والنهب السلس المريح؟

هناك أسباب متنوعة ومتراكمة , فالناس مطية الكراسي , والقوة ذات تأثير , والأجيال إعتادت على الخوف من السلطان الشديد , فالقيادة دم وظلم وإستبداد وإستعباد وتفرد بالبلاد والعباد.

فإلى متى تبقى الجموع خانعة , والعيون دامعة , والضربات دامغة؟!!