“من الضروري ان نتثقف… ليس لأجل الثقافة فقط… انما لنتعلم كيف يتم ذلك !!!”
دوما ما تكون الطبيعة الجماعية للنشاط الفكري مع التقسيم المتزايد للعمل والتنقل المهني، قاضية تدريجياً على المثل الأعلى للمفكر، وإذا حاولنا وصف هذا المثل الأعلى فإنه يفترض أنه تلك السمات لشخصية شاملة للأخلاق العالية والاستيعابية الفكرية والإنسانية والتي يتم التعبير عنها ليس في الحب المجرد للإنسانية بشكل عام، بل في اللطف مع الناس واحترام الشخصية والإحساس المتزايد بالعدالة، وفي حياتنا هناك عدد أقل وأقل من الناس الذين يمكن التعرف عليهم مع هذا المثل الأعلى، غير إن هنالك أشخاص آخرين في الحياة ربما ليسوا شخصيات شهيرة على نطاق واسع من حيث تأثيرهم على الوعي العام وحمل مسؤولية الروح الفكرية وهم ليسوا بالضرورة مبدعين وعظماء في العلم أو الفن أو الابتكارات في الثقافة التي لديها مجموعة واسعة من المظاهر والتي من الممكن لها أن تصبح كالحياة الأخلاقية للفرد ونموذج ثقافي مؤثر في اختيارات المستقبل.
يمكن تعزيز القوة واكتساب المصداقية إذا تم إعطاء الأشخاص هدفًا واضحًا لبرنامج وتحديد فحواه بإلى أين نحن ذاهبين، وإذا لم تكن هناك استراتيجية للتحرك نحو الهدف فإن الوسائل تتحول إلى هدف سوقي كنهاية ويضيع الإصلاح والذي غايته مستوجبة في حد ذاته ثم يبدأ الإجراء في تجاوز فكرة الوضع الحالي في بعض دول الالم العربي المتمثلة في وضع مسؤولية خاصة على المثقفين، وواحدة من أهم مهام الإصلاح اليوم هي إنشاء دول قوية مع الحفاظ على بناء المؤسسات الديمقراطية وتطويرها وتشكيلها من ممثلي المثقفين المعارضين الذين وصلوا إلى السلطة والمديرين المحترفين لتوفير الكفاءة اللازمة في إدارة البلاد لتحسين كفاءة الإدارة وزيادة مستوى السيطرة على تصرفات الحكومات، وقد تنشأ تلك الآليات عندما يتم تعزيز المؤسسات الديمقراطية العربية التي فشلت حتى الآن بأن توحد أي شكل من الأشكال معنى الحرية بفحوى المسؤولية. ومع إننا نشهد المثقفين الذين يقفون تقليديًا في تأييد السلطات وهي قوية ومعارضتها حين تهوي غير إننا نتمناهم إن ينأوا بأنفسهم عن السلطة وانتقادها أحاديًا إذ يمكنهم تطوير ونشر أفكار جديدة غير تقليدية على أن يدمجوا شروط الحرية الإبداعية في عمل الفكر الإبداعي المتمثل في البحث عن القيم التي تضمن انضمام دولهم إلى حقبة جديدة من حقب تطور الحضارة العالمية.
لدينا قناعة بأن الشخصيات الثقافية لا تحتاج إلى أفكار على الإطلاق فقط إذ لربما أنها تحتاج إلى الحد الأدنى من مخزونها العقلي، والذي يمكنها العثور عليه دائمًا في طيات الأفكار التقليدية الطويلة البرودة والمتحيزة إحصائيا، ولذلك فأن لم يتغلب مثقفينا على ذلك التقليد القديم ولم يتمكنوا من تقديم قفزات حقيقية للمجتمع توفر سيناريو التحديث الأكثر ملائمة لأوطانهم وإن ذلك سيعني أنه حطموا مهمتهم التاريخية والأكثر أهمية تغييبهم لمستقبلهم. واليوم يعتمد مصير العرب إلى حد كبير على مدى فعالية التفاعل بين المثقفين والسلطات والذي لا ينبغي أن يبنى وفقًا للمبدأ القديم حينما تناشد السلطة من وقت لآخر مثقفي النظام الأجتماعي لإيجاد أيديولوجيات معينة من شأنها أن تسهم في تقوية (القوة) وتتوافق مع فهمها الأهداف السلطوية، وإن ذلك الفهم لا يتناسق مع الاحلام ولا المهام المستقبلية لان الواجب بالمثقفين يتمحور في تقديم رقي جديد للمجتمع في المقام الأول وليس للسلطات، ومع إن ذلك التفاعل بين المثقفين والسلطات احيانا يعد مثاليًا غير إنه من المهم أن ندرك على الأقل الفواجع القادمة وحاجاتها واتجاهاتها الغير المواتية والخطيرة لحاضر العرب ومستقبلهم والتي أصبحت واضحة بالفعل وينبغي تجنبها، فلذلك كله يستوجب على المثقفين القيام بتكييف الابداع مع القيم مع الظروف الحقيقية للحياة العربية وربطها بالتقاليد بدلاً من مجرد إعلانها كمشروعات طوباوية للمستقبل المحتضر.