18 ديسمبر، 2024 9:38 م

هم العرب الذين أصبحوا أكثر غيرة على إيران من الإيرانيين أنفسهم , فتنازلوا عن إنتماءاتهم الوطنية والعربية والقيمية والأخلاقية والتأريخية , وذابوا في الحالة الإيرانية حتى الإمتزاج المتجانس الرائق , الذي يُذهب ملامحهم ومميزاتهم الذاتية والموضوعية.

وما أكثرهم وأشدهم عدوانا على العروبة والدين , وإمعانا بالتمذهب والتطرف والعدوانية على كل ما لا يتفق ورؤاهم , وتصوراتهم المدججة بالإنفعالات والعواطف السلبية المستديمة.

عرب صار ربهم ودينهم عمائم قم ولحاها ورموزها بأنواعها ومشاربها , وما تبثه أهواؤها ونوازعها ومراميها للسلوك الهدام , الذي أصاب المسلمين بالتشظي والضعف والإندحار.

عرب أقلامهم تشير إليهم وتبرهن على ولاءاتهم المطلقة لإيران , وكأنهم من نسل قم وطهران , وأن أجدادهم لا تجري في عروقهم روح عربية ولا نطقت ألسنتهم بالضاد , ولا ترعرعوا فوق تراب العرب , وشربوا من مياه أمة العرب , وتنعموا بأنوارها الروحية والفكرية , إنهم من البشر الذي تم تصنيعه وبرمجته وإقتلاعه من جذوره , وإطعامه من أثداء السوء والبغضاء.

وهذا سلوك غريب ويتنافى مع بديهيات البقاء والإرتقاء , ويتسبب بإنهيارات أخلاقية ومعنوية مروعة , فلا يوجد فرنسي أكثر غيرة على بريطانيا أو إيطاليا أو ألمانيا من بلده ومصالحه , والعكس صحيح , رغم أنهم في إتحاد أوربي , لكن ذلك شائع بين بعض العرب , الذين لا يغارون على عروبتهم بقدر غيرتهم على تبعيتهم وإنتمائهم للآخرين.

ولا يُعرف ماذا سيقول الجاحظ بحقهم لو كان بيننا اليوم , وبماذا سينعتهم , ويبدو أن هذه الظاهرة السلوكية تتكرر عبر العصور , لكنها تبوء بخسران عظيم وهزيمة نكراء , وكأنها عرق دساس تجري في أعماق بعض الذين أنكروا عروبتهم وتنازلوا عن هويتهم وملامحهم العربية.

ولا يمكن إلقاء اللوم على إيران لأنها تقوم بما يحافظ على وطنها ويدرأ العدوان عنها , فالوطنية الإيرانية واضحة في سلوك أنظمة حكمها المتعاقبة , والغيرة الوطنية الإيرانية تستحق الإحترام والتقدير والإحتذاء بها , لأنها قدوة حسنة ومثال على السلوك الوطني الذي يذود عن مصالح البلاد والعباد.

لكن اللوم كل اللوم يقع على الذين إنسلخوا عن ذاتهم وموضوعهم , وأصبحوا بيادق تنفذ إرادة الآخرين وتنكر الإرادة والمصالح المتصلة ببلدانهم , وإندفعوا بإنفعالية صارخة بإتجاههم وإعتبروهم جوهر حياتهم وأصل وجودهم , ولا بد لهم من التفاني في سبيلهم , وكأنهم لا يعرفون بأن الذين يضحون من أجلهم , يؤمنون بأوطانهم ويذودون عنها بحماسة وثبات وإصرار على الحفاظ على الكرامة والقوة والإباء , وأنهم يسخِّرونهم لكي يكونوا موانع ومصدات لحمايتهم مما يستهدفهم , ولا يعنيهم فيهم إلا مدى قدرتهم على الحفاظ على مصالحهم , وليحصل لهم ولبلدانهم ما يحصل , المهم أنهم سواتر بشرية ضد العدوان عليها وحسب.

فهؤلاء الذين أسكرتهم الأضاليل والخداعات والجرعات الإنفعالية والحقن العاطفية , المقرونة بما يؤهلهم للتحول إلى عبيد ومستخدمين لتنفيذ أجندات الآخرين , هم الذين سيخسرون وسيربح دوما أسيادهم المجندون لهم والقابضون على مصيرهم.

فهل سيستيقظ الغافلون , ومتى سيمتلكون غيرة وطنية على بلدانهم كالأيرانيين؟!!

ترى , لماذا لا يسعون إلى إقامة تفاعل طيب يستند على آليات حسن الجوار والحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين؟

ولماذا هذا التطرف ما بين العدوان والإمعان بالتنازل عن الأوطان؟!!

*المتأيرنون من الأيرنة وهي الإنتماء المطق لإيران.