ان ما يثار من جدل سياسي بشان دور المرجعية الدينية تتحمله الأخيرة قبل غيرها بعد ان وقفت على الحياد لفترة طويلة، وكأنها اقحمت نفسها في عملية سياسية ” يفترض” أنها تتنافى مع مبادئها في رفض الاحتلال و مصادرة حقوق المواطنين و النهب المنظم لأموال البلاد و العباد، ما وجه نحوها أصابع استفهام و استغراب باصابع سياسية و شعبية بغض النظر عن مصداقية التوجه.
أن مبدا التوافقية الذي اختطته المرجعية الدينية لنفسها لم يكن موفقا ولا مؤثرا، فمواقفها ضاعت بين رمال سياسية متحركة، فلا هي تريد أن تغضب شارعها العاطفي قبل العقائدي، ولا هى تنتظرأن تأكل من جرف الأخر في ظل غياب العقلانية الوطنية، وفي الحالتين فان ” تردد” المرجعية في تسمية الخلل بما يناسبه من فتاوى فقهية قد لعب دورا محوريا في الألتفاف السياسيى على مشروعها الوطني بغض النظر عن الأنتقادات الموجهة الى طرق تنفيذة وشموليته أو انغلاقه.
لم نسمع من المرجعية موقفا واضحا يحرم التعامل مع السياسيين الفاسدين والطائفيين، مثلما لم تصدر فتوى ملزمة للمواطن بمقارعة سلمية لكل أشكال الظلم الأمني و السياسي و الأقتصادي، فكل ما صدر يدور في فلك ” حماية ” التجربة من السقوط المذهبي، وكأن التوصيف السياسي للأحداث قد انسحب الى عقائدية المرجعية، لذلك فهي تتحمل مسؤولية وجهات النظر السلبية ضدها لأنها تراخت في تشخيص الخلل و محاسبة القائمين عليه.
وهناك عامل اضافي ساهم في تمدد سياسيين على دور المرجعية يتثمل في العدد الكبير جدا من مكاتب ممثليها و المتحدثين باسماء المراجع الكبار، وكأنها اصبحت حكومة ظل بديلة، ابتعدت تدريجيا عن هموم المواطن اليومية وتركت للسياسيين توظيف حتى الزيارات الدينية لتلميع صورهم و الأحتيال على مشاعر المواطنين، بينما كان الصحيح الزام الجميع بالتفريق بين الجهد الرسمي في الادارة و معتقدات المواطن الشرعية.
ولم تنجح المرجعية الدينية في صياغة مشروع وطني للأخوة العراقية يستوعب الخلافات الجانبية، مثلما لم تحرم بفتوى واضحة كل أشكال التناحر الطائفي، بل اقتصر ذلك على مراسيم خطب الجمعة في زحمة التنافس السياسي الطائفي، فجاءت اشبه بالمطالبة أو التمني، بينما الصحيح الأصطفاف علنا مع المواطن و تحميل الحكومة والمؤسسات السياسية مسؤولية الفشل ، و دعوة المواطنين للرد على ذلك بانتفاضة شعبية سلمية، تضع حدا لبعض الأقاويل التي تتهم المرجعية ” من الباطن” بمجاملة الحكومة و النواب من زاوية عقائدية فقط، وكأنها وقفت الى جانب و تركت القارب يغرق بالأخرين، وهي مع ذلك ما زالت قادرة على اتخاذ القرارالمناسب.
ان مجرد توجيه اللوم السياسي للمرجعية يكشف عن مخطط لتحمليها جانب من مسؤولية فشل الأداء السياسي منذ عام 2003 الى اليوم، وعدم اتخاذ موقف واضح من الأحتلال بالدعوة الى حمل السلاح لمقارعته، وهوما يستغله ” أصحاب الوجوه” لانضاج مخطط لابعاد تأثيرها عن الشارع المحلي، وفي الجانبين هناك خلل في التعاطي مع الأحداث، ما يستدعي ” صحوة” عراقية مستعجلة عبر مؤتمر شعبي جامع لكل الطيف العراق و اصدار فتوى تحرم شرعا الفتنة السياسية الطائفية ، وتؤسس لمرحلة جديدة من الانصهار الاجتماعي، حتى لو تطلب ذلك احتضان النجف لمراسيم زواج جماعي بين كل طوائف العراق، فهي خطوة ضرورية لا بعاد نار الفتنة الطائفية عن مرجعية النجف قبل غيرها، وبما لا يحملها لوحدها مسؤولية حرق النسيج الاجتماعي من الداخل، رغم أنها كانت و ستبقى موضع تأثير سياسي و اجتماعي يفوق دور كل الأحزاب السياسية، شرط اقتران ذلك بمنهجية عمل تضع المحافظة على وحدة الوطن وأخوة شعبه من الموجبات الأضافية للأيمان بالله، و ألم يقل العقلاء ان حب الوطن من الأيمان!!
انها دعوة لدور اكبر في عقلانية تعامل المرجعيات مع الحدث السياسي و الأمني المتسارع في العراق، وبما يبعد الشبهة عن مجاملتها لمشروع دون غيره، او حتى القول بأنها جاملت ايران وغيرها في تأحيل عيد الفطر لأنه تزامن مع 8 / 8، قناعة منا بأن المرجعية في النجف عراقية الهوى ولا يجوز القاء الفشل السياسي على أكتافها، حتى لوتم تمرير ذلك بمناورة سياسية تم طبخها من خارج الحدود لاحراجها شرعيا!!ويبقى الأمل كبيرا بحكمة المراجع لاطفاء نار فتنة تحرق المواطنين و يتدفا بلهيبها سياسيو الصدفة و مع الأسف!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]