22 نوفمبر، 2024 8:22 ص
Search
Close this search box.

اللولوبيون – القسم الثاني

اللولوبيون – القسم الثاني

ليس لدينا اي دليل تاريخي يؤكد على ان اللولوبين قدجاءوا الى منطقة كردستان في زمن معين قبل السوئيين (= السويين) أو بعدهم، ويبدوا أن المجموعتين كانتا متعاصرينوتمثلان مجموعة واحدة انقسمت فيها بعد الى قسمين،الاول سكن المناطق الشمالية لبلاد مابين النهرين وكانتتسمى سوبارتو . والقسم الثاني سكن بشكل عام فيسهول زهاو وشهرزور وخاصة في المناطق المحيطةبالسليمانية التي اشتهرت في العصر الاشوري ببلاد زاموااو مازاموا .

وعلى رأي البعض فان مناطق سكناهم كانت أوسع مماذكر فشملت المناطق الواقعة بين نهر سيروان وحتى بحيرةاورمية، وكانت بلادهم تتوسع وتتقلص بتأثير الحملاتالاكدية والاشورية وكذلك الاورارتية . وقد حدد الملك سرجونالاكدي في كتاباته بلاد اللولوبيين بالاراضي الواقعة بينمنطقتي: “اورونا” (صينيو؟) وبالنظر لعدم معرفتنا مواقعالمنطقتين المذكورتين فاننا نجهل بشكل اكيد حدود المنطقةالتي سيطر عليها اللولوبيونض، ولكننا متأكدون بأن منطقةالسليمانية كانت تمثل قلب المنطقة التي سكنها القومالمذكور، وكانت في الوقت نفسه تمثل عاصمة مملكة عرفتباسم خمازي خلال الالف الثالث قبل الميلاد، ولذلك يمكنناالقول بأن اللولوبيين هم الذين أنشأوا المملكة المذكورة.

ومن خلال احدى الرسائل المدونة بالخط المسماري المكتشفةفي موقع “ايبلا” ( تل مارديخ ۷۰ كم جنوب حلب) تعرفناعلى وجود علاقات دبلوماسية بين مملكتي ايبلا وخمازي،ومضمون الرسالة عكس لنا رغبة ملك مملكة ايبلا المدعو ( اركب دمو) في أن يحصل من مملكة خمازي على جنود أقوياء مدربين، ولكنه لم يبين لنا السبب الذي إحتاج مناجله الجنود الأقوياء والمدربين، ومقابل ذلك بعث بعشر قطعمن الاثاث الخشبية مع حليتين بيد سفير مملكة خمازي الىملكها المدعو (زيزي) ومضمون هذه الرسالة ولاشك يوحيعلى أن مملكتي ايبلا وخمازي كانتا في منتصف الالفالثالث قبل الميلاد مستقلتين ولكل منها الحرية في اتخاذالخطوات التي تتناسب ومصلحتيها، حيث لا يوجد فيمضمون الرسالة ما يوحي إلى تبيعيتها لاية سلطة سياسيةاخرى . ولكن مايثير التساؤل كثيراً، هو السبب الذي دعىهاتين المملكتين الى التحالف بالرغم من بعد المسافة بينهما،والتي تقدر بحوالي ١٠٠٠ كم ، علاوة على علمنا بأن الدولقديماً وحديثاً لا تتحالف فيما بينها الا لصد خطر مشتركيهدد كيان تلك الدولة المتحالفةوالمعلومات التاريخيةالمتوفرة تؤكد على ان مملكة كیش كانت تعمل في بعضالاحيان على ابراز قوتها اتجاه الممالك المجاورة لها . وممايؤيد ذلك هو احد النصوص المسمارية المكتشفة في مدينةكيش ، حيث ذكر لنا معركة دارت رحاها ما بين كيشوخمازي (١) ونص اخر من بين النصوص المكتشفة فيايبلا قد اشار الى ان ملك كيش المدعو ( ميسالم) كان ينويالسيطرة على ايبلا، وبناء على ذلك فقد أصبح أمر التحالفبين مملكتي ايبلا وخمازي واضحاً، حيث لابد وانه من أجلمنع سلالة كيش من فرض سيطرتها عليهما .

 ومن خلال الجداول المسمارية المعروفة باسم جداول اثباتالملوك، يبدو ان كيش قد تمكنت فعلاً من فرض سيطرتهاعلى خمازي، بحيث ان خمازي لم تنل استقلالها الا بعدسقوط كيش وانتقال زعامة القسم الجنوبي من العراق الىيد سلالة الوركاء، ولكن الاحتمال كبير جداً في ان سقوطكيش كان على اثر هجوم خاطف قام به اللولوبيون، وهذا مايبدو من جداول اثبات الملوك، ولكن المخلفات الاثرية تتحدثعن شيء من هذا القبيل .

وبعد ان ثبتت سلالة الوركاء اقدامها توجهت الى خمازيواعادتها إلى سيطرتها،

وفيما يلي قراءة النص الخاص بهذه الحقائق من جداولاثبات الملوك KISI KI GIS TUKUL BA.AN.SIG

کیش ، ضربت بالسلاح ملوكيتها،

الى خمازي(= منطقة السليمانية دربندي بازيان) قد انتقلت،

في خمازي، ختانيش،

إنه الملك (أي صار ملكاً)،

وحكم 360 سنة.

خمازي، ضربت بالسلاح،

وملوكيتها الى الوركاء قد انتقلت.

هذا وان مملكة خمازي لم تنل استقلالها ثانية، إلا بعدظهور الملك سرجون الاكدي (2334 2284ق.م) وفرضسيطرته على دويلات المدن السومرية وقيامه بتوحيد البلاد،حيث فسح انشغاله بتوحيد البلاد المجال امام مملكةخمازي لنيل استقلالها، وفي زمن حفيده، اي في زمن الملك نرام سين” (٢٢٦٠ – ٢٢٢٣ق . م)، اتحد اللولوبيون زمنحاكمهم (ساتوني  SATUNI ) مع بلاد سيدورى ضدالملك الاكدي نرام سين، مما دفع ذلك الملك المذكور إلى شنحملة ناجحة ضد هذا الاتحاد، وخلد انتصاره عليهم فيمنحوتة جبلية عند دربندي كاور( جنوب غرب دربنديخان). ويبدو ان اللولوبيين قد تحرروا من بعد موت الملك نرام سين،لأن خليفته المدعو “شاركلي شری”( ۲۲۲۳ ۲۱۹۸ق. م)، قد قام بشن حملة اخرى على بلاد اللولويين.

لقد توسعت رقعة موطن اللولوبين نحو الجنوب الشرقي الىمنطقة هالمان ( زهاو الحالية ) وهذا ما تؤكده اللوحة التياقامها ملكهم (انوبانيني) في تلك الجهات، ورغم الصيغةالسومريةالاكدية لاسم الملك لكن من المحتمل ان له علاقةمع اسم الاله العيلامي (هانوباني هومبان). وليس منالبعيد ان انوبانيني قد استغل غزو الكوتيين لبلاد (سومر وأكد) في استعادتهم للسيطرة على هذه المناطق .

لا نسمع عن اللولوبين بعد حملة (نرام سين) الا نادراً . وفيالعصر الاشوري، وبالاخص في زمن الملك اشور ناصر بال الثاني(883 855ق.م)، أي بعد ما يقارب من الفي عامنسمع عن هؤلاء وقد ارتبط اسمهم ببلاد (زاموا) التي دخلتمراراً ضمن الامبراطورية الاشورية، ويحتمل ان بعض منزعماء اللولوبين لعبوا دوراً سياسياً هاماً في ظهور الدولةالاشورية وكان بعض الملوك في هذه الدولة خلال القرنالثاني عشر قبل الميلاد من اصل لولوبي كما يرى ذلك رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة بنسلفانيا، والمدير السابق للمدرسة الأمريكية للدراسات الشرقية في بغداد أفرايم سبايز (1902 1965م)، الذي جاء الى العراق لدراسة حضارة ميتاني والحوريين في شمالي اللعراق (= كردستان العراق)، ففي عام 1927م اكتشف مستوطنة تبة غاورا ( التل الكبير) في شمال العراق، حيث أشرف على الحفريات في ثلاثينات القرن العشرين، كما قام بترجمة النصوص القانونية الحورية التي عثر عليها خلال فترة وجوده في العراق.

وفيها يخص نوعية حياة اللولوبين الاقتصادية خلال الالفالثالث قبل الميلاد فان النصوص الاقتصادية التي جاءتنامن مدينة كاسور ( تحول الاسم فيما بعد الى نوزي ) قدبينت لنا على انهم كانوا يعيشون على تربية الحيواناتوالمتاجرة بها، اي انهم كانوا مهتمين بالحياة الرعوية أكثرمن اهتمامهم بالحياة الزراعية، لان التجار أنذاك كانوايعتبرون منطقة اللولوبيين خير سوق لبيع الحبوب  .

وعندما فرض الكوتيون سيطرتهم على معظم الدويلاتالعراقية القديمة تحرر اللولوبيون من السيطرة الاكدية،ولكننا مع ذلك لم نعد تسمع شيئاً واضحاً عن مملكتهم، أيعن مملكة خمازي. وهذا ما يشير الى ان الملكين الاكديين،نرام سين وشار كلي شرى قد أزالا الى حد ما اركانمملكتهم، ومضافاً اليها مجي الكوتيين، الذي ضيقالمساحة التي كان يشغلها اللولوبيون، ولذلك بدأ اللولوبيونمنذ أواخر الفترة الاكدية يعيشون على شكل جماعات متفرقة، تحولت بمرور الزمن الى عدة عشائر، بحيث كان لكل عشيرة الهها وحاكمها الخاص بها.

وبعد زوال الحكم الكوتي، عادت الجماعات اللولوبية لتقعتحت سيادة الدول التي ظهرت من بعد الحكم، فنصوصسلالة لكش الثانية (٢١٦٤ – ٢١٠٩ق . م) قد اشارت الىان الحاكم “نمخاني” (۲۱۱۳ – ۲۱۰۹ ق . م) قد عين ابنه ( لوننا ) حاكماً على خمازي.

وكتابات سلالة اور الثالثة (۲۱۱۱ – ۲۰۰۳ق . م)،وبالاخص كتابات الملك “شوسين” (٢٠٣٦ – ٢٠٢٨ق . م) ،رابع ملوك السلالة المذكور قد اشارت الى انه قد عينمستشاره المدعو ( ايرننا ) حاكماً على اربيل واميراً علىخمازي وعلى سكان مدينة (سو) وعلى اراضي مدينة ( كردا) .

وكتابات الملك شوسين (1972 1964ق.م) رابع ملوك سلالة أور الثالثة، قد قدمت لنا معلومات هامة جداً عنعلاقة اللغة التي تكلم بها السوئيون ( = السوبارتيون )واللولوبيون ، حيث ذكر لنا أحد نصوص الملك المذكور ان لغةالسوئيين واللولوبيين كانت متشابهة، وفيما يلي ترجمة الجزءالخاص بهذه الحقيقة من النص المسماري.

(( في ذلك الوقت” تكلم سكان” بلاد شوبر ومنطقة خمازي لغة متشابهة)).

لان الكلمة السومرية (خامون HA-MUN) يقابلها بالاكدية(مينخر تو) وهذه كلمة تعني (ملتقي ، منسجم) أىمتشابه)، هذا وان ذكر اللولوبين قد وصل الى مصر كذلك ،حيث ورد على لسان السلالتين ۱۸ و ۱۹، كما ان سادس فراعنة الاسرة الثامنة عشر “تحوتمس الثالث”(1481 – 1425ق.م) قد تطرق الى ذكرهم من خلال حديثه عنالخوريين والميتانيين في شمال سوريا،  بالاضافة الى ذلكفقد استمر ذكرهم في المصادر المسمارية الى ما قبلسقوط العاصمة الاشورية نينوى عام ٦١٢ق،م حيث انكتابات الملك الاشوري “تجلات بليزر الثالث”( ٧٤٥ – ٧٢٧ق.م) ؛ قد جاء فيها ذكر اللولوبيين.

اما الاشارات التي اكدت لنا على أن اللولوبيين قد انقسمواالى مجموعات عديدة بعد زوال الحكم الكوتي، فمنهاالاشارة المذكورة في احدى الرسائل التي كانت موجهة الىملك الخوريين (كواري  KUWARI ) في شوشرا (حالياًشمشارة تقع على نهر الزاب الاسفل في سهل بتوين في منطقة رانية)، حيث يذكر فيها المرسل ( شيراتو SEPRATU ) بأن (ملوك اللولوبيين) وليس ملك واحديعانون نقصاً في الحبوب؛ ولذلك هم يتقدمون بطلب السلاممع ملك شوشرا ، والاشارة الاخرى التي تؤيد انقسامهمالى عشائر كثيرة وردت على لسان الملك الاشوري “تجلاتبليزر الأول “(١١١٤ – ١٠٧٦ق . م) ، حيث جاء فيها بأنهقد اخذ(25) إلاهاً لولوبياً ووزعها على المعابد الأشورية.

لقد عرف هؤلاء في مدونات آرابخا (كركوك الحالية ) باسم ( لوللو ) أو حتى (نوللو) وكان يعنى الجبليون او سكانالجبال الذين يجلب منهم  العبيد، اما في وقت متأخر فكانهذا الاسم يعني في اللغة الخلدية (الاورارتية ) مفهومالغريب أو الاجنبي وكذلك العدو.

اما الصيغة الاكدية القديمة للاسم ( لوللوبوم (Lullupum) التي تحولت في الاشورية الى صيغة ( لوللومي) بدوناستعمال اداة الملكية السومرية المفرد والجمع ب/  Pباللغاتالمحلية والعيلامية تشير في الاصل أنها كانت ذا صلةبالعيلامية والسومرية وما شابهتها من لهجات. وهذهالحقيقة لا تنفي العلاقة القوية التي كانت تربط اللولوبينبالسكان القدماء الآخرين لكردستان كالكوتيين أو الخوريينلغويا كانت ام حضاريا ، وخاصة لو عرفنا بان مركز هؤلاءكانت في مناطق قريبة بعضها عن البعض الآخر،كمستوطنات نوزي الخورية وآرابخا الكوتية وبابيتاللولوبية، وجميعها تقع حوالي كركوك الحالية. هذابالاضافة الى انتشارهم في مختلف مناطق کردستان بماتؤكده الادلة التاريخية التي ترجع الى زمن احتلالالعيلامين لبعض هذه المناطق في عهد الملك الاكدي شاركليشاري في نهاية الألف الثالث ق.م.

وقبل ان ننتقل إلى الأصل في تسمية اللولوبين، علينا اننذكر بانهم قد تأثروا كثيراً بالديانة والثقافة واللغة الاكدية ،بحيث ان انتاجاتهم الكتابية كانت باللغة الاكدية وحتىأسماء بعض ملوكهم كانت أسماء أكدية وخير شاهد علىذلك المسلة التي خلفها لنا الملك اللولوي ( انوبايني) فيسربيل زهاب حيث ذلك لغتها هي لغة اكدية () وانوبانينينفسه اسم اكدي معناه الآله انو (اله السماء ) خالقي .

 

أحدث المقالات