اثناء العطلة الصيفية وخلال تواجدي في أوروبا مع اسرة اخي وكلهم أيضا يتحدوثون العربية المدجنة في المنزل سألتي ابن اخي(15 سنة) المتزوج من سيدة عربية منذ 50 سنة وقال: لي ماذا تسمون الطير الذي يتكلم مثل البشر؟. قلت له: الببغاء. وفي الأسبوع الثاني اثناء مشاهدتنا التلفاز معا صدفة ظهر ذلك الطير في مشهد ما. فقال لي: أ هذا هو الببغاء يا عمي؟ فقلت: نعم. وعندها ادركت أهمية الاسرة وكبار السن في الحفاظ على اللغات الاصلية وقد قادني هذا الحديث الى هذه الدراسة
ازداد الاهتمام بالحفاظ على اللغات الاصلية عبر السنين نتيجة الكولونيالية والعولمة والاندماج الثقافي.فعندما تختفي لغة ما يضيع ارث فكري وثقافي لانه اللغة اكثر من مجرد وسيلة من وسائل الاتصال فهي تجسد الهوية والتاريخ وطريقة الحياة. وقد ازداد تسارع هذا الاهتمام بوجود بعض المنظمات من أمثال اليونيسكو . حيث يذكر ان تقريبا 40% من لغات العالم تعتبر مهددة بالخطر و بنقص اعداد المتحدثين بها وأصبحت هذه اللغات مهددة بالانقراض. وحاليا تتواصل الجهود لحمايتها من خلال التعليم والتكنولوجيا وبرامج الاحياء والانعاش الثقافي إدراكا لأهمية كون الحفاظ على اللغات يصون الهوية والتاريخ ويصون نظرة شعوب المعمورة نظرتهم الى شعوب متحديثيها
الا انه المسؤولية الأكبر للحفاظ على اللغات الاصلية تقع على عاتق الإباء والامهات حيث يعتبر المنزل الحاضنة الرئيسة لاكتساب اللغة وتنشئتها وانتقالها من جيل الى جيل. فاذا لم يقم الإباء والامهات لتعويد استخدام لغتهم الى أطفالهم فان اللغة تضمحل بغض النظر عن الجهود الخارجية للمحافظة علىيها. وفي الوقت الذي تلعب فيه المدارس والمؤسسات التربوية الأخرى دور اسناد ودعم يتوجب على الإباء والامهات القيام بدورهم للحقاظ على تراث أطفالهم اللغوي.فمن المعروف انه اذا لم يتم التدرب و التحدث باللغة الاصلية في المنزل فانها ستواجه صعوبات على نطاق أوسع في المجتمع.لذا يتوجب على الإباء والامهات تعليم الأطفال والتحدث معهم وتشجيعهم على استعمال اللغة الاصلية اثناء وجودهم بين افراد العائلةلضمان بقاء اللغة حية وتثمر هويتهم
يعتبر الإباء واؤلياء الأمور المعلمين الاوئل والأكثر تاثيرافي رحلة الطفل اللغوية حيث يعتبر المنزل المكان الذي تعلم به اللغة وتمارس وتعد هذه العملية جزءا من الحياة اليومية. فعندما تستعمل العوائل لغتها الاصلية تكوون عند الأطفال فصاحة بلغتهم وطبيعا هذا سينمي شعور قوي بالهوية الثقاقية حيث يعزز قص الحكايات والقصص والاغاني والصلوات والاحاديث اليومية بااللغة الام يعزز الالفة والارتباط العاطفي
لذا الارتباط باللغة الام يجب ان يبدأ في المنزل مع الإباء والاجداد وأعضاء الاسرة الاخرين لضمان ليس فقط ان اللغة الاصلية للتحدث بها وانما لتقديسها والاعتزاز بها
من السهل وضع المسؤولية في عاتق المؤسسات الخارجية كالكنيسة والمدرسة عندما تختفي اللغة الاصليةولكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الإباء. وفي تدوة بخصوص هذه القضيةقال احد كبار المسرولين ان معلمي مدارس يوم الاحد لايتحملون مسؤولية عدم قدرة الطفل على تكلم لغة الام واقر هذا المسؤول ان النربويين الدينين يلعبون دورا في تعزيز القيم والتعاليم الأخلاقية الا ان اكتساب اللغة يتم أساسا في المنزل
واكد هذا المسؤول انه أي المسؤول فشل في إعطاء الأولوية لتعلم اللغة في المنزل واعترف بان التربيين الدينيين لم يكن بمستطاعهم الا تقوية ما تم أساسا اكتسابه في الاسرة.اذا اؤلياء الأمور لم يقوموا بالجهود الواعية لتعليم أطفالهم لغة الام قلا يتوقعون من رجال الدين القيام بذلك او المعلمين او التربويين. لذا يجب بناء مؤسسة تعلم اللغة في المنزل قبل ان تقوم المؤسسات بدعم ذلك وتقويته
مؤحلرا خلال ندوة عن التقييس وحماية لغة الام تم تذكيري بجانب مهم اخر من الجوانب وهو دور اللغة في الكنيسة المتعددة الثقافات في الوقت الذي يزداد فيه تطور تعدد اللغات في المجتمعات و أصبحت أهمية اللغة في الكنيسة لا يمكن المبالغة في تبيانها. لان الكنيسة هي المحيط الاجتماعي الذي يلتقي فيه الناس للعبادة . وفي الوقت الذي تستطيع فيه الكنيسة الاسهام وتوفير الدعم للافراد والعوائل فهي لاتستطيع تحمل مسؤولية الحفاظ على لغة الام.. ولا يتوقع المجتمع من الكنيسة ان تكون الحارس والقيم الوحيد للغة الام
وادركنا من خلال مسيرتنا ان الكنائس تفضل اللغات المهيمنة لثلاثة اسباب. أولا لكون الكنائس مؤسسات عامة لها تاثير مهم على المجتمع . ثانيا في الاحداث التي تتطلب تعدد اللغات في العديد من الكنائسالمتعددة اللغات تعطي الأولوية الى اللغات الاوسع انتشارا من اجل الشمولية وايضا ولسهولة تداولها معززة بشكل غير مقصود هيمنة اللغات الرئيسة وثالثا ترتكز الجهود التبشرية المسيحية على نصوص دينيةمترجمة في لغات مهيمنة وبذلك يتم تقليل الاعتماد على اللغات الأخرى في التجمعات والنشاطات المسيحية. .
وهذا هو الحال عند العديد من القبائل في( نجالاند) حيث بعض اللغات الاصلية تضمحل لتبني اللغات المهيمنة الأكثر انتشارا في فعاليات الكنيسة والامثلة كثيرة على ذلك حيث تضيع اللغة الام.
غير ان يجب ان لاتصبح الكنيسة ضحية التفكير الكولونيالي عندما تلعب دورا في حماية اللغات الاصلية وذلك بفرض اللغات المهيمنة على حساب لغات الأقليات. وفي الوقت الذي يعتبر حماية لغة الام امرا مهما تصبح مهمة بعثة الكنيسة بناء مملكة الله التي تتجاوز كل التقسيمات اللغوية والقبيلية . واي جهد لتطوير لغة معينة على حساب اللغات الأخرى من اجل الهيمنة والاقصاء يتضارب مع الكتب السماوية حيث مبادئها تامر بتوحيد المؤمنين عبر الحوجز الدينية والثقافية. يجب ان تكون الكنيسة مكانا لوحدة الصف حيث يستطيع كل المؤمنين بغض النظر عن اختلافاتهم اللغوية يستطيعون العبادة بحرية ودون الشعور بالتهميش.
تلعب المدارس دورا حاسما في الحفاظ على اللغة عن طريق دمج اللغات في المنهاج الدراسي الا انه في الكثير من الأنظمة التربوية تعطى الأولوية للغات المهيمنة وتهمش اللعات الام في الغالب لذا يتطلب الامر ان يتعاون التريويون مع واضعي السياسات التعليمية للعمل في وضع برامج تربوية مركبة ثنائية اللغة تسمخ للطالب ان يتعلم كلا اللغتين الام والمهيمنة دون تضارب
بالإضافة الى ادخال تطبيقات رقممية مثل اليوتيوب والبودكسات كوسائل فعالة لتعزيز التعلم اللغوي بين الأجيال الشابة وتشجيع الاعتزاز في الإرث اللغوي لكل قومية من خلال الموسيقا والادب والفعاليات الثقافيىة فهو امر ضروري لادامة التنوع اللغوي وعندما يرى الأطفال تواجد لغتهم في مختلف جوانب الحياة- التتعليم والتسلية والممارسات الدينية- فان اكثر ما يحتمل ان يتم احتضانها كجزء من هويتهم
اما قيما عدا المدارس والاسر يتوجب على المجتمع ان يلعب دورا نشيطا في الحفاظ على اللغة. وذلك عن طريق المبادرات المحلية كبرامج التقوية والتعزيز وجلسات القصص والحكايات والورش الثقافية وحث كبار السن للمشاركة بقصصهم واغانيهم مع الشباب ويبقى انتقال اللغة ببين الأجيال احد اكثر السبل لابقاء اللغات الام حية يمكن ان تعزز أهمية اللغات الاصلية وكبار السن الذين لهم معرفة وثقافية و لغوية كبيرة يجب تشجيغهم
الخلاصة
وأخيرا يمكننا القول يبدأ مستقبل اللغات الاصلية يبدأ في المنزل حيث يجب ان يتحمل الإباء المسؤولية الأولى لضمان التحدث باللغة الاصلية وممارستها وتثمينها. ويعتبر الإباء والاجداد هم اول المعلمين لهذه اللغة وان جهودهم هي التي تشكل الهوية اللغوية لاجيال المستقبل . وبديهيا اذا لم يجري التحدث باللغة الاصلية ليس بمقدور أي جهد خارجي مهما كان ان يعيده بالكامل. اما للمؤسسات الأخرى كالكنائس والمساجد والمدارس والحكومات فلها دورا مهما يتوجب ان تلعبه . لكن ليس لها الا ان تقوم بدور مساعد وداعم ما تم تزويده للأطفال في العائلة. اما المؤسسات الدينية بإمكانها خلق البيئة المواتية لاحتضان العديد من اللغات كما بإمكان المدارس ادماج اللغات الاصلية في التعليم والحكومات بإمكانها وضع السياسات لحماية الإرث اللغوي . غير ان هذه الجهود لن تكون فعالة الا بكون الاسر نفسها تهتم بالامر وتحمي ارث أبنائها اللغوي
وأخيرا ان اللغة ليست مجرد أداة للتواصل والاتصال انها انعكاس لهوية ولجذور ثقافية ووانها وسيلة لمعرفة الاسلاف. فاذا لم يقم الإباء بتعليم أطفالهم لغتهم الاصلية فانهم يقومون بكسر الارتباط بين الأجيال. ففي اللغات الاصلية قصص وحكايات وحكم وتقاليد واعراف تحدد هوية من يتكلموها. ان المسؤولية في كل هذا مسؤولية جماعية تقع على عاتق العوائل والجماعات والمؤسسات الدينية والأنظمة التربوية. وذلك لضمان حماية هذه اللغات ومن من خلال تنسيق الجهود في المنزل وتقويتها من خلال المؤسسات الاجتماعية المختلفة والمتعددة بإمكاننا ضمان استمرار اللغات الاصلية في الانتعاش وعدم الاختفاء……
أستاذ سابق في جامعة سالفورد-بريطانيا وجامعة محمد الخامس -المغرب وجامعة عبدالمالك السعدي -المغرب وجامعة عجمان -الامارات والجامعة الامريكية – في الشارقة