23 ديسمبر، 2024 8:50 ص

الكورونة وعيون المدينة!!

الكورونة وعيون المدينة!!

أغمضت مدن الدنيا عيونها وتوشحت بالصمت وغادرها الضجيج , وهجر الناس شوارعها ومحلاتها وفنادقها ومتنزهاتها , فبدت خاوية على عروشها.
بنايات نائمة , وعمارات خالية , وفنادق بلا زبائن , ومطاعم هامدة , فالحياة المعاصرة تتصل بالبشر , وعندما يغيب عنها تنتفي وتغيب.
ولهذا تجد العديد من المدن الأوربية كانت تبحث عن المهاجرين , لكي تستعيد حياتها ويجري الدم في عروقها , لأن معظمها قد هجرها أهلها لأسباب إقتصادية خصوصا بعد إنتهاء الحرب الباردة.
واليوم فايروس لا مرئي يجتاح مدن الدنيا ويرعبها , ويمنع أهلها من العمل والحركة , ويفرض عليهم حجرا صحيا إجباريا , وإلا فأن الفايروس سيفترسهم وسيقضي على معظمهم.
عيون المدن مغلقة , فهي ليست نائمة , وإنما مجبرة على عدم فتح عيونها لكي لا تشاهد مأساتها , وما تحكيه شوارعها ومعالمها , فشبابيكها تبكي وأبوابها تصرخ وساحاتها تستغيث , وأنهارها تنادي الناس ولا يأتيها صوت حياة , فتصيخ السمع لحفيف الأشجار , وصخب الأطيار , التي أنست بأمنها وحريتها وإمعانها في التفاعل الجديد.
عيون المدينة حزينة , ومخلوقات الأرض الأخرى سعيدة ومبتهجة , تسرح وتمرح وكأن البشر قد غادر الدنيا , ومَن يراقب المخلوقات بأنواعها سيلاحظ البهجة العارمة التي تعتمل في مجتمعات الطيور , وكيف ينعكس ذلك على سلوكها.
المخلوقات الأرضية تعطيكَ إحساسا بأنها سيدة الدنيا وأميرتها , وتشعر وكأنها إنتصرت على البشر الذي يؤذيها , فيقتلها ويأكلها ولا يرحمها أو يرعاها ويأنس بها , ومن شدة توحشه أطلقت عليه ما تحمله من آفات لا قدرة له على مقارعتها , وستقتله مثلما قتلها.
المدن هامدة صامتة , وقد غادرتها أصوات المحركات , وتمتعت بنقاء هواء , وهدوء مستطاب , فأية سعادة هذه , وأية إحتفالية خيالية تشارك فيها مخلوقات الدنيا عدا البشر.
فهل أدركَ البشر أنه ضيف على الدنيا التي يتوهمها ملكا له؟!!