18 ديسمبر، 2024 10:57 م

الكوخ وعزرائيل وجهل الجاهلين

الكوخ وعزرائيل وجهل الجاهلين

قصة قصيرة تدور حول خرافات بعض قبائل الريف وتحديهم للثوابت السائدة

 كوخ صغير يقع على الجانب الاخر من النهر بجانبه تل منتغخ القمة منتفش بشجيرات صغيرة خضراء داكنةمطوقة بهضاب اصغر وكانها أجراء قط كبير, كوخ يسبح في هواء شتاء بارد مرذذ في جو صامت وفي انتظار بزوغ سيدة الكون والطاقة . وتحيط الكوخ اشواك مكورة وكانها من كبار القنافذ العملاقة وكتل خشبية  وصخور مسننة نحتت خصيصا لذلك المكان. ويتعاقب على حراسة هذا الكوخ بصمت رهيب سرب من صقور العشيرة الملثمين والمدججين بالسلاح والمحزمين بالخناجر وبحزام العتادوالذخير.حراس بوجوه يطبعها الحزن و يتطاير الغضب من اعينهم. تخالهم يحرسون كنوزا من الذهب واللؤلؤ والمرجان واشياء ومقتنيات لاتقدر بثمن. أحيانا يحرسونها من سارق الحياة وهو السارق الأعظم  و تراهم يتصاحونباصوات غربية أحيانا كاصوات الذئاب المتعطشة للفرائس في البراري وكما يبدو متفق عليها ككلمات سر.

ما اجمل حياة الريف ببساطتها وسلاسة حركتها وصلابة ترابطها الاجتماعي. حياة لا تخلو نكهتا من الخرافات وتحدي الثوابت ويعطرها صدق النوايا. انها طيب تغلفه حلاوة أهلها وطبيعتها ولوحة يتجسد فيها  رغم كل الصعاب ما يمتع النظر ويطرب المسامع ويريح المشاعر و لكنه كذلك يثير الحزن  االاسى لافتراسها من طرف آفةالجهل المتجمد افكاره برؤوسهم

في هذا المحيط االطبيعي الجميل والمرعب في نفس الوقت  والذي لم تدنسه ما استقدمته الحضارة الجديدة وخاصة متعلقات التقدم التكنولوجي, في هذا المحيط بالذات تستقرعشيرة آل بو واجف والتي عرفت الى جانب خصالها بالشجاعة والضيافة والكرم عرفت أيضا بين العشائر وبين سكان البلدة بحديتها وسرعة اتخاذ القرارات الغريبة وميولها العاطفية المتطرفة التي طالما سببت ويلات النزاعات المدمرة وسيلان الدماء ومعروفة بهوساتها الغربية  وكان من اشهرها تلك الهوسات والهتافات  ضد مدير الوحدة الإدارية في البلدة( مدير الناحية) بعد تجاوز أبناء العشيرة على قوانين الدولةبشأن التملك وكانت الهوسة تقول:

” يعيش الله والرسول ويسقط مدير الناحية”

وكان افرادها يحاربون كل دخيل ويتمسكون بكل ما هو اصيل ويبتعدون عن كل ما هو ذليل ويحاول بكل جهد وقوة  إيجاد البديل مهما كان الامر. حيث يعتقدون ان لديهم كل الحلول وكما يعتقدون ان القوة هي الطريق الاسلم للنجاة وحتى انه بها يمكن تحدي ملك الموت من اجل الحياة والتغلب عليه بالضربة القاضية وتحذيره من العودة بقرصة اذن و الرجوع الى حيث ارسل خاوي الوفاض. وكانوا يخالفون المعتاد ويتجاوزن على الحقيقة ويعتبرون ذلك ممكن.

عندما تتمرض الجدة او الجد من اسرهم بمرض عضال يجعله طريح الفرراش اعتادوا على تطوق المكان الذي يرقد فيه المريض ويتداورن على اسواره وخناجرهم تعكس ضوء الشمس الدافيء وشفاههم يابسة حزنااو قلقا او اعياءا ويدردمون وبطونهم خاوية وعطشى لانشغالهم بالمريض وقلة اشتهائهم للزاد. مهمتم الكبرى منع قابض الأرواح هذا المرسل من السماء من  دخول المكان وتعنيفه. وتراهم يحذر بعضهم البعض من دخوله  الى سرير المريض. ومرارا وفي نهاية المطاف يتصادف ان يحدث ما لايحلو لهم وتراهم  يتسائلون من اين دخل هذا المرسل ويستعملون كل ما في ايدهم من سلاح وعصي والضرب العشوائي على الاشواك والصخور المحيطة المانعة لدخول المخلوقات والمنتصبة لهذا الغرض. وتراهم يطلقون النار من أسلحتهم ويتصاحون. فترى ابنهم الأكبر :

عبيد يقول: من اين دخل هذا الملعون ؟

فيرد عليه الابن الأصغر صبار وهو يومأ بيده : من تلك الفتحة في الحائط الخلفي…. ملعون الشيب.

فبيما يرد عليه الابن الأوسط جاسم: كيف دخل ولم نراه وأين اتجه.

هكذا كانت البساطة او السذاجة  عند ادنى حدودها.

ومن المفارقات التي حصلت في هذه العشيرة  عشيرة ألبو واجف ان احد أبنائها من الاوفر حظا في التعلم والدراسة واكثر رزانة من الباقين قد تدرج في االمناصب العسكرية في الجيش واصبح من أصحاب القول والفعل في الدولة  كما اصبح من قادة الجيش اللامعين. وكان شابا يافعا ممشوق القامة  ملاك ذو وجه دائري يتمايل في مشيته صلب المراس قليل الكلام يتزاور مع أبناء عشيرته حيث كا يسكن في العاصمة متزوج من سيدة مثقفة طبيبة سليلة نسب معروف يرجع في اصله الى احدى الشخصيات التاريخية المعروفة في البلاد.

في احدى زيارته الى مرابع العشيرة هو وعائلته الى حيث الجمال والطبيعة الخلابة والكرم والجود وبعد الترحيب المنقطع النظير به وبزوجته وتناول وجبة الغداء خلع بدلته العسكرية برتبها الذهبية وعلقها في صالة الطعام  وذهب لينام قليلا . وفجاءة وجد ابن عمه احمد الفريسة ذات الرموز الذهبية ولبس البدلة برتبها اللامعة وخرج ليتجول للتباهي والمفاخرة في شوارع وازقة البلدة وهو يمش المشية العسكرية المألوفة والمعتادة ناطقا بنبرة مطلية بالاوامر العسكرية الجادة العالقة في ذهن كثير من الشباب آنذاك من الذين قاموا بأداء خدمة الوطن الإلزامية ويطلب من الناس أداء التحية.

رجع احمد الى المنزل وبدا اهله في حيرة من امرهم لا يعرفون مالعمل لتفسير ما قام به هذا المخلوق سوى السكوت مثلما  ساد السكوت برحيل جدتهم  حين قبض رسول الموت على روحها .