كراسي السلطة في معظم الدول العربية وبعض الدول الإقليمية مصدات أجيال بإمتياز فائق , لذلك تتسبب بإحتقانات وإضطرابات وفيضانات دامية , تحاول تصريفها بالحروب بأنواعها الخارجية والداخلية , وبالقمع القاهر الجبار الذي يتفوّق بوحشيته على أعتى نزوات الجرائم والخطايا والآثام.
فلو تدارستم أنظمة الحكم في البلدان العربية لوجدتم أن القاسم المشترك بينها هو توصيف المَصدات , فالجيل الذي يمسك بالكرسي يتمترس فيه ويعادي ما حوله في نهر الأجيال الجاري رغما عن إرادته وخياراته وأوهامه العقائدية والثورية والحزبية , وغيرها من التصورات التي يعتقل نفسه فيها , حتى يتآكل ويتساقط منخورا مذلولا ملعونا من الشعب والتأريخ.
فهل وجدتم في أنظمة حكم المنطقة غير الكرسي المَصد , الذي يقف سدا منيعا بوجه تيار الأجيال الهادر , وبسبب هذه الخندقة المتحدية لطبيعة الجريان وإرادة الدوران , يستحضر الكرسي ما يستطيعه من وسائل القمع والقهر لكي يذود عن عرينه الفتاك , وينسى أن لكل قبضة إرتخاء , فلا يمكن للبشر أن يبقى قابضا كفه إلى أمدٍ طويل , لأن ما فيه من آليات وتفاعلات تستوجب الركون إلى الإسترخاء.
ولهذا فأن المصدات تتآكل وتتراخى بتقادم الزمن , وبزيادة عنفوان مسيرة الأجيال الطالعة نحو غدها , والطامحة للتعبير عن دورها في الحياة.
فنهر الأجيال لا تصمد أمامه المصدات والسدود , ولا يمكن إستيعابه في خزانات أو مستنقعات , ولهذا فأن الكراسي تعيش في دوران دائب في دائرة مفرغة من الإنقلابات والإصطرابات.
ولكي تستعيد رشدها وتستنير بالعقل وتمارس الحكمة , عليها أن تجري مع الأجيال لا أن تمنعها من الجريان , وأن تكون قوةً فيها لا ضدها أو عليها , وهذا يتحقق بالتفاعل الإيجابي ما بين الأجيال المترافدة بخطواتها , ورؤاها المتواشجة المتسابكة المتوثبة بطاقتها الكلية الطالعة نحو إرادة مشتركة ذات مسارات متنامية.
فمعضلة الكراسي المَصدات من العاهات المستوطنة في الوعي الجمعي , وبسبب تكرار سلوكها صارت وكأنها الطريق الذي لا بد منه لكي يستتب الحكم للقلة على الكثرة من الشعب , وفي واقع الأمر فأن منهجها يتواصل منذ عدة قرون , ويحكمها منطوق التفرد والإستحواذ والقوة المطلقة , وعدم القدرة أو الرغبة في كتابة عقد إجتماعي وطني يصون الحقوق , ويرعى قيمة الإنسان ويحافظ على وجوده الكريم في البلاد.
ولن تتقدم المجتمعات العربية مهما توهمت إذا بقيت هذه العاهة فاعلة في أجيالها , وإذا عجزت عن إبتكار شرائع تكاتف الأجيال وتعاضدها لا تنافرها وتناحرها التي أوصلتها إلى حضيض كان!!
فهل لنا أن نتقوى بالأجيال لا أن نتآكل ونتبدد؟!!