18 ديسمبر، 2024 7:04 م

القيادة السياسية للدولة العراقية …اليوم ….الى أين….؟

القيادة السياسية للدولة العراقية …اليوم ….الى أين….؟

هل للسياسة من قواعد ثابتة يركن اليها في التطبيق؟،وهل للساسة من مبادىء يلتزمون بها في حكم الدولة ؟ وهل للدول اعمار ثابتة لاتتعداها كعمر الانسان..فتتعرض بعدها للأنهيار والسقوط…؟.وهل ان الدولة التي تقوم على افراد لا مؤسسات قادرة ان تقود شعبا نحو التقدم والاستقرار.. ؟ كما في دول الاسلام السياسي التي قامت على افراد ومؤيديهم وعصبيتهم…دون ان تربط نفسها بالأمة وعدم السماح لها بالمشاركة في الحكم او الحصول على اي منصب فيه،حتى الوزير ورجل الادارة والمال كان ينتمي للبيت الحاكم ..لابل ملك يمينه..ولولي الآمرعليهم حق الحياة والموت دون مسائلة كما في اتباع دولة ولاية الفقيه اليوم..بعد ان أمات بينهم القيم الخُلقية واستبدلها بالركوع على يديه ،وأهمال القانون والشرعية وحقوق الناس.. ولم يجد من يُقَوم أنحرافه..من هؤلاء تأملون الحقوق والتقدم وبناء دولة القانون..؟
أغبياء ان كنتم تعتقدون.

لقد كتب ثلاثة من رواد الحضارة في هذا الموضوع ،هم المفكر العربي عبدالرحمن بن خلدون (ت1332-1406 م)،والمفكر الالماني اوزفالد شبنجلر(1880-1936م)،والمفكر الانجليزي آرنولد توينبي (ت1889-1965 م) في موضوع الحضارة ونشأتها وتقدمها وسقوطها..نعم المفكرون وفلاسفة القانون بأرائهم وأقوالهم هم الذين يصنعون حركة التاريخ..أما رجال الحرب والسياسة والدين المنغلق فلا يصنعون حضارة ولادين ولا تاريخ بدليل سقوط دولة الدين الى الابد…لذا علينا ان نصحح قولاً شائعاً في دراستنا للتاريخ يقول: (ان الدولة تصنع حضارة) ..الدولة لا تصنع الا نفسها ورجالها الغضاض ..بينما الأمم الواعية هي التي تصنع حضارة ..لذا فهي لن تسمح للقادة النزقين الاستيلاء على مقدرات الشعوب ..الا في وطننا المتخلف اللاهث وراء مذاهب الدين المزيفة ومرجعيات التدليس التي تدعو الى قيام الدولة على غير الاساس السليم الذي ينبغي ان تقوم عليه
نظم الحكم الصالح..

وقبل ان نسترسل في الاجابة على هذه الاسئلة المعقدة والمستوحاة من أفكارهم والتي هي بحاجة لان يقرأها الحاكم قبل المحكوم ليسترشد بهداها في حكم الدولة واصول الحكم كي لا يقع في خطأالتقدير…نقول منذ فجر التاريخ والانسان حين هداه عقله الى الاستقرار اخذ يبحث عن اربعة اهداف يرى فيها الاساس في حياته واستقراره ألا وهي : “الامان والاطمئنان والكفاية والعدل”.فالفراعنة المصريون آمنوا بحماية الانسان بقوة السلاح ولكن لم يهتدوا بعقلهم الى العدالة…واليونان هداهم عقلهم الى الامان وحكم الدولة بالفلسفة والحكمة لكنهم لم يعرفوا عدالة الانسان وشعوره بالمساواة مع الاخرين… وحين جاء الرومان من بعدهم نظموا الدولة على التشريع والمشاركة والقانون دون تطبيق،ولا زال قانونهم يدرس في الجامعات العالمية الى الان لكن قوانينهم كانت تخدم الأمبراطور دون عامة الناس….أما في دول الاسلام السياسي فقد أضاعوا المبادىء الاربعة بحجة التشريع..ولا زالوا على المنهج الخاطىء الى اليوم سائرين..لذا هم والتقدم الحضاري على طرفي نقيض.

عندما جاء الاسلام جاء ليعلن نهاية العصور القديمة التي كانت السيادة فيها على الناس لطبقة محدودة، تملك زمامهم ،وتتصرف في أموالهم،وتحجر على حرياتهم،وتعتدي على دمائهم دون ان تخشى رقيباً او حسيباً..وقد جاء الاسلام بمبادىء أخلاقية أرسى دعائمها في سنيه الأولى وهي “التوحيد ودورالعلم ورسالة الاخلاق ومبدأ العدل المطلق” وهي مبادىء سياسية قبل ان تكون مبادىء دينية ” ،لكن مع الاسف ان هذه المبادىء انتهت بوفاة صاحبها عام 11 للهجرة.. وبقيت الشورى بيد رئيس الدولة اللامنتخب ،ورئاسة الدولة ظلت بدون تحديد مدة او مدى سلطان تتعكز على جماعة الحل والعقد الذين يجري اختيارهم عادة بطريقة غامضة ، وهي المخولة باستخدام شورى الحكم في انتخاب الخليفة ،والخليفة مطلق اليد دون رقيب بأعتباره ممثلا لشريعة الله دون أعتراض من أحد ،اي ان النظام الاسلامي كان لا يعترف بالقانون الا نظرياً ،ففشلت الدولة في تحقيق الحقوق بتطبيق “نظرية آولوا الأمر منكم ” التي فهمت خطئأ من قبل الفقهاء والمفسرين ..لان آولوا لا تعني ولي الامر وانما تعني عامة الناس فظل الحكم يتعكز على الفرضية الخطأ .

لذا ظلت الخلافة عاجزة عن التطبيق لمبادىء وثيقة المدينة المغيبة الى اليوم،والتي تنص على المبادىء الاربعة سالفة الذكر..وخاصةً في عهدي الامويين والعباسيين اصحاب السلطة لا الدين ..حتى دخلت الامة عصر التخلف والأنحطاط والتفكك ثم الأنهيار (عام 656للهجرة) على يد المغول…واليوم بعد ظهورنظريات الفقهاء في المذهبية المخترعة من اجل الحاكم لا الشعوب التي مزقت الامة الى فِرق وجماعات متناحرة دون دليل حتى هَدت من وحدة الاسلام والمسلمين بحجة المذاهب التي لا يعترف بها القرآن ..والتي لم ترد في اراء فقهائهم سوى توجهات فكرية لا غير.ولا زالت تعاني ..من معرفة نظريات السياسة وتطبيقاتها..واذا ما أستمرت على هذا المنوال لن تكون نهايتها افضل من نهايات دول المغول والعثمانيين.

ولنعود الى ابن خلدون وكيف وضع مقياسا لاستمرار الدولة وسقوطها معتمداعلى ما واجهته الدول في الصعود والنزول والضعف والسقوط،حين قال :”ان الحضارة علم ومعرفة وخبرة وتجربة “،ويقصد نظام الحكم وكل هذه تزيد ملكات الأنسان أرهافاً ،وتفجر في كيانه ينابيع جديدة من القوة والأستمرار في التقدم. لكن الذي يضعف البشر والدولة معاً هو سوء استخدام نعَم الحضارة حين يسرف الناس او الحاكم فيما ملكوه من اسباب التمدن ويخلدون الى التبطل والدعة ،وظلم الناس ،بعد ان يسودون ويزهدون في العمل والجهد والمسئولية..وهذا ينطبق على من يحكمون الوطن العراقي اليوم تماماً..اذن ماذا ينتظرون غير السقوط ومحاسبة القانون ؟…والحقيقة ان نظرية ابن خلدون وهو مؤرخ متأخر (1402م) فتحت المجال لمناقشة حركة التاريخ الاسلامي وحضارته من جديد بعيدا عن غطرسة فقهاء الدين الذي اصبح دينهم لا يصلح لحكم الناس مادام اسلامهم يطرح برنامجاً غيبياً للمسلم يعرض عن الحياة الدنيا ليستبدلها بأخرة مجهولة المصير..مفسيرين الآية 32 من سورة الانعام تفسيرا لغوياً لا تاويلا علمياً” :وما الحياة الدنيا الا لعبُ ولهوُ وللدار الاخرة خير للذين يتقون..هنا توقف الطموح بعد ان فسرَ النص بعقلية الفقيه الجامدة ،فاذا استثنينا عصر الرسول(ص) القصيرفأن دول الاسلام كلها لا تخرج عن هذا المعنى.

فالدولة الاموية والعباسية قامت وفق نظرية الاجبار والمبايعة بقوة السلاح،ومن يتابع مبايعة معاوية ، وابو العباس السفاح في الكوفة واستخدام العنف في المبايعة واجبار الناس على سياسة الامر الواقع يدرك ذلك تماما ..لذا استباحت الدولة دماء المسلمين كما في مقتل حجر بن عَدي وصحابته لمجرد ممانعتهم من القبول بحكم الدولة الاموية.وقتل الحسين بن علي(ع)واصحابه لنفس الغرض بمساعدة من خانوا الامانة من اجداد الحاكمين في العراق اليوم خدمة للأمويين،واستمرت الدولة الاموية تقترف جنايات بشعة في حق الحق والقانون والامة لحماية الحاكم من اي اخطار تهدده ،وفي سبيل ذلك أهدرت كل حقوق الامة اهداراً تاماً..وهكذا كان بني العباس في قتل الأمامين موسى بن جعفر والامام الرضا (ع) المطالبين بالحقوق .فهل يتعظ من ُيقلد الباطل اليوم في دولة العراقيين..ما حل بالسابقين .

وبهذا المناسبة نقول :لماذا هذه الضجة التاريخية التي صنعتها الدولة الصفوية على أستشهاد الحسين(ع)؟ هل جاء الحسين الى كربلاء لطلب الخلافة وأعلان التشيع ..فالحسين كان مسلما ولم يكن شيعيا كما يدعون..وهل هو ينتمي اليهم ؟ام جاء الامام للدفاع عن ظلم الدولةعلى الناس؟ فاذا كان مجيء الحسين لطلب الخلافة حقه كما يدعون اليوم اصحابه الناكرون لمبادئه في التطبيق ..وأنا اقرأ النصوص فلا أجد فيها دليلاً واحداً على ان الحسين كان طالب سلطة ..ولأنه من غير الممكن ان يكون خليفة قوياً وقادراً على القيام بمسئولية الخلافة لقصر كفاءته في التنفيذ..ولكونه لم يتسلم اي قيادة في زمانه والقيادة تحتاج الى تدريب وتطبيق..من هنا اقول انه خرج من اجل الدفاع عن حقوق الناس مثله مثل الاخرين وليس لطلب خلافة على المسلمين ..فلا تمزجوا السياسة بالدين..اذن فلماذا اتخذتم قضيته نموذجا يفوق حقوق كل الاخرين ؟ ألم يكن ذلك من اجل الحكم الذي تشبثم به لنيل السلطة من الكافرين كما تدعون اليوم وأنتم البارحة على أكتافهم راكعين .. ؟ ولو كانوا اتباعه من الصادقين لأوفوا بعهده ولم يخونوه ..أقرأوا النصوص بحيادية المنطق ..وأنا أقسم لو جاء الحسين اليوم يونازعهم السلطة لقتلوه مثل ما قتلوا المتظاهرين من اجل الحقوق..واليوم بعد ان هيأت الظروف لهم لحكم وطن العراقيين..فلماذا لم يطبقوا عدل الحسين وهم يدعون به وبمبادئه دون تطبيق ..وهم كما نراهم يحكمون شعبا أذاقوه مر العذاب والظلم وسرقة امواله والقتل والتخريب..هل هذه هي كانت نظرية الحسين..التي يلطم عليها باسم كربلائي الدجال ؟ اذن اين المبادىء والقيم وصدق العقيدة والأعتقاد في الحسين واهل بيته العظام كما يدعون..ويلطمون؟..
نعود لنقول:

فشلت دولة الاسلام في تطبيق مبادىء العدالة والحقوق لانها لم تحرص على ربط نفسها بالامة والسماح لها بالمشاركة في الحكم ،فحتى رجال الادارة والكُتاب واصحاب الاقلام كانوا من الموالين لبيت الحاكم دونما حق في الاعتراض ،ومن يعترض فالسيف والنطع بأنتظاره،وما مقتل عبد الحميد الكاتب في نهاية العصر الاموي وابن المقفع في العصر العباسي الا مثالاً.وهذا ما لاحظناه في تصفية خصوم الامويين والعباسيين وما عملته دولة العراقيين بالمعارضين الذين قتلوا كلهم دون محاكمات جدية بعد عام 1958 وعام 1963 وعام1979 ،خلال ما سمي بالحكم الوطني تجاوزا على التاريخ … وتكررت في دولة الطائفيين والعنصرين والمحاصصين بعد 2003 والتي فاقت كل اعوام القتل والتخريب وسرقة أموال المواطنين ..والذين لا يزالون الى اليوم يلاحقون المفكرين كما في قتل الضباط والطياريين والعلماء والمفكرين وأخرهم المفكر هشام الهاشمي وغيره كثير..أولئك الذين اتخذوا من الاسلام برنامجا حكوميا غيبيا للمسلم في حياته يأخذ بتزهيدهم عن الدنيا ليشتروا بها الاخرة تطبيقاً للآية 32 من سورة الانعام كما يدعون باطلاً..وهو تفسير خاطىء حدَ من طموح المسلم في تكوين دولةالحضارة والتقدم وأمان العيش الرغيد..بينما هم وعوائلهم واولادهم في لندن وباريس وواشنطن وأستكهولم يسكنون متمتعين..احمد نوري المالكي مثالاً..

ان الدولة التي تقوم على الافراد وطبقات المحاصصة الطائفية لا على مؤسسات مصيرها الى زوال.لان الحاكم او الخليفة الذي حكم كان يحكم ولازال يحكم بسلطانه لا بسلطان الشعب ،وحين يخطأ لم تمكنه الحاشية من تصحيح الخطأ او ادراكه لتعارضه مع مصلحتها ..والا اين السستاني الذي اقاموا الدنيا وأقعدوها به لم نرَ منه مظهرا يدافع فيه عن الامة سوى الوكلاء في خطب الجمعة كالصافي والكربلائي وهم سراق الوطن والشعب..، فأذا اراد الحاكم ان يعمل وتقرر في نفوس الناس عمله بالحق والعدل سرعان ما ترتسم شخصيته بنفوس الجماهير ويمكن ان يقفز الى دست الحكم وهذا مافعلته الغالبية من الاوربيين بعد النهضة الصناعية وفشلت فيه دول الاسلام السياسي.ونرجو ان يطبق في بلادنا اليوم..لكن هيهات مستحيل ..ولكن اين لنا اليوم من هذا والاحزاب الاسلامية الباطلة ومليشياتها المجرمة ومرجعياتها الدينية الصامتة على الباطل اول من خانت التشريع .

ان العلامة ابن خلدون قسم حكم الدولة واستمراره بثلاث مراحل في الاولى تمتلك الدولة القوة وصفات الملك والرياسة، وفي الثانية ينشأ الحاكم والجيل على الدعة والراحة والاستئثار بحق الاخرين،ثم يظهر الضعف والانحدار في الجيل الثالث فيحدث الطوفان والسقوط. لكن الواقع يخالف ابن خلدون في نظريته الكائن الحي وحرق المراحل. فالدولة لا تسققط الا اذا انهارت مؤسساتها واعتمدت على افراد منقطعة صلاتهم بالامة ،هنا يسرع الجفاف اليها فتتوقف الحركة والاتصال بين القيادة والقاعدة الشعبية ،لان العلاقة بين الاثنين هي كالعلاقة بين الشجرة والتربة التي نبتت فيها .فاذا اعتمد الحاكم على نفسه والفئة القليلة من اتباعه انعزل عن جمهور الامة، ونتيجة لنفور الناس منه تجف شجرته ويسرع الموت اليها كما اسرع الى الاخرين من قبله، فلا القوة العسكرية ولا استشارة الاخرين بنافعة له فيما بعد،فهل نحن مدركون ؟ وهذا هو ما نراه اليوم في قادة سياسة دولة العراقيين بعد التغيير في 2003 للميلاد..التي نأمل ان تنهارقريبا ويقدم قادتها لمحاكم القانون .. ليخلفهم المخلصون للوطن والشعب..بعد ان خضعوا لسياسة الغريب التي قضت على الزراعة والصناعة تماما كيلا يلبس العراقي ثوبا ولا أكلا الا من صناعة وزراعة الأتراك والأيرانيين ..لاعتقادهم انهم وحدهم هم البشر.

وعلى أي حال هذا امر لا يلام عليه الأيراني او العثماني الا بقدر محدود.لأن النفس الأيرانية والتركية تعاني من ما يسمى بمركزية الذات..والعراقي من وجهة نظرهم الخاطئة بمستوى أدنى او في غير مستوى على الاطلاق..ونحن نقول للأيرانيين والتراك معاً الذين اساؤا للعراقيين عليكم اعادة النظر بما انتم فيه من غرور وتعالي على من عداكم من البشر..فالدنيا غير مضمونة ،والحياة غير مأمونة فحذاري من غرور البشر.

أما الفيلسوف اشبنكلر وان كان فكره يؤمن بالفلسفة التشائمية من سلطة الدولة لاتهامه حكام الغرب بالعنجهية والتسلط والعنصرية التي اعمتهم عن الاعتراف بحقوق الاخرين،لان النفس الاوربية جملة تعاني ولا زالت رغم التقدم التكنولوجي الحالي مما يسمى بمركزية الذات الاوربي ايضاً دون الاخرين،لذا حتى تثبت وجودك معهم عليك ان تدرك كيف يتعاملون معك،فوعودهم وكلامهم صفراً على الشمال ان لم يوثق بقانون. .مصلحة الغريب المحتل هنا فوق القانون،ومن يقرأ دورالاستعمار الاوربي في اسيا وافريقية يدرك ذلك تماماً..ولم تدرك أوربا الخطأ الا بعد ان حاصرها الزمن بعد حربين عالميتين خسرت فيهما مالم تتوقعه في مركزية الذات امام البشر.

ويبقى ان نقول : ان الفيلسوف اشبنكلر خالف ابن خلدون حين اعتمد على نظرية التحدي والاستجابة، اي ان الحاكم لا يمكن له الاستمرار بالتحدي للشعوب آملا بالاستجابة منهم دون حقوق او ما يسميها باستخدام الحاكم للطرق التقليدية في فرض حكم القوة والمحاسيب ،لان ذلك سيخلق للحاكم من يعمل على تدميره وقتله وانتزاع سلطة الدولة منه مستقبلا.وليس للاجيال الثلاثة كما يقول ابن خلدون من علاقة بالحكم..وها نرى اليوم كيف ظهرت نظرية شبنكلر كواقع في دولة العراقيين المنهارة بعد ان اصبحوا محاصرين يحاصرهم باطل الزمن….وكيف هم وقعوا اليوم في الحيرة والقلق وكراهية المجتمع والمخاوف من ان تجتاحهم العواصف من جراء انكارهم لركائز أخلاقية الزمن الذي منه سيخرجون محطمين بلا أمل..بعد ان خسروا حتى اخلاق البشر.

اما آرنولد توينبي،فقد أخذ بنظرية شبنكلر في التحدي والاستجابة ،لكنه اعطى للعقل والتدبر المكانة الاولى في بقاء سلطة الدولة،وبصحة ما تجتمع عليه راي الجماعة النظيفة المخلصة للحاكم.ويعتقد اذا كانت الدولة ترقى بالماديات المبذولة للاعوان والمحاسيب دون حق ..لكنها تفشل بالمعنويات والمشاكل الداخلية التي تصادفها من جراء عزل الحاكم عن الامة.فالطائفية والعنصرية والمحاصصية والاتباع لن يكون الحاكم بها في مأمن الزمن ،لان هذا المسلك الخاطىء يوقف الدولة في مكانها ولا يمكن اصلاحها الا بالبتر،كما حصل للنظام السابق في النهاية..وسيحصل للنظام الحالي قريباً..فلينتظروا العقاب..وحساب الزمن.

وخلاصة القول:
ان النظريات الحضارية عالجت اسباب نشوء الدولة وتقدمها وسقوطها وان اختلفت في ارائها ،الا ان النظرية العقلية التي ترتكز على العادات الأجتماعية تقول:ان الدولة لا تهرم الا على الحقيقة ..وهي سوء سياسة الدولة القائمة على الغصب وانقطاع الصلة بين هيئة الحكم وجمهور الناس واستخدام نفوذها دون مصلحة الامة..كما فعلت حكومة لبنان وادت بوطنها الى التدميرواخيرا انفجر الغضب الذي ساقهم الى المصير..وها هي دولة العراقيين على الطريق مادامت مليشيات جرف الصخر وما جاورها لا تنصاع لكلمة الحق في التدبير ولا تخضع لمعرفة الدولة وما فيها من تدمير وسجون خاصة بها بعيدا عن الدولة.زوالكاظمي أسير القوة ،وانعدام القانون و الدستور الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وغياب المؤسسات المسئولة امام الشعب . وهي في صميمها أنعدام التوازن بين التقدم المادي للحاكم والتقدم الانساني الاخلاقي الذي ضيعه الحاكم تجاه المحكوم..هنا تنتشر الرذيلة والسرقة والرشوة والمخدرات وضياع الشعور بأنسانية الأنسان..فتزداد الأعتداءات والجريمة المنظمة وقتل العلماء واصحاب الفكر وكلها ناشئة من وفرة المال على الحاجة في مجتمع الحاكم لا الشعب،لذا فالدولة التي تولد على يد رجل واحد لا يتعدى عمرها ذلك الرجل او أعمار الجماعة المرافقة له كما في ايران اليوم التي تواجه الانهيار والسقوط .

ان من يعتمد منهج مدرسة العدل واحترام انسانية الانسان سوف يحقق ما يريد دون عائق،فهل هم ينظرون.هنا نرى ان الحكومات المتعاقبة بعد الحكم الملكي في العراق في غالبيتها قد انفصلت عن الامة وحقوقها،فالقوة العسكرية لن تنفع والاجنبي لن ينفع اذا توقف الجانب الحضاري في الامة… فالقيادة تحرص دائما على لملمت الجراح بعد التغيير حتى لا تقع الدولة ورجالها في خطأ التقدير..واليوم نرى الدولة العراقية وهي تعتمد على ايران المعادية تاريخيا لها ماذا حل بها وسيحل بها أكثر..دون تفكير..وصدق القائد نبوخذ نصر العراقي حين قال ..”اياكم والعيلاميين “.
لن يحصل أي تغيير في الدولة العراقية الحالية الا اذا ابتعد المواطن عن الخيانة بأسم العقيدة..والغاء التنظيمات العسكرية المليشياوية باسم الدفاع عن الوطن ضد اعش- داعش هم اوجدوها- المطالبة بتشكيل محكمة علنية لمحاكمة الخارجين عن النظام من قتلة شباب الثورة التشرينية والمفكر الهاشمي..وعلى المكون الجنوبي ان لا يختصرنفسه بسلطة فاسدة محسوبة عليهم..كما عمل المكون الاخر قبل 2003 ..والمطالبة بقانون انتخابي جديد يحضر الاحزاب والمنظمات المذهبية والعنصرية..لمحاولة المطالبة بتغيير النظام من برلماني الى رئاسي منتخب حتى لا تتكر الامعات في رئاسة البرلمان كما في امعة اليوم ..ولا خروج للعراق الا بعزل النفوذ الايراني وتشخيص اعوانه بالاسم عن الوطن للخروج من النفق المظلم.

ان الاتجاه الجديد الذي يرافق عملية التغيير في العراق كان يؤمل منه التبشير بأمال جديدة لخير الوطن والعراقيين، ،خاصة اذا اصرت الدولة على تنقيذ القوانين رغم تعقيدها …لاان يوضع القانون كعائق في التقدم والانتصار لحقوق المواطنين ..كقانون العفو العام الذي بموجبه تم الاعفاء عن السراق والمجرمين ..، وقوانين الحماية الشخصية للمسئولين دون الشعب..حراسات بلاحدود كلفت الدولة المليارات لتحرس من لا يساوون نكلة زمن،وقوانين الامتيازات والمنافع الشخصية مما مهد لسرقة المال العام ، واغفال قوانين الرقابة والمحاسبة كما في بيع العملة الصعبة لمصلحة التجارة البائرة،وابعاد الكفاءات واحلال الرداءة في السلطة ، وقانون اعادة المفصولين السياسيين ومنحهم حقوق المواطنين على الطائفية والعنصرية الذي خلف فجوة ً بين المظلومين والمستحقين ،وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بأنتقائية،والفضائيين بلا عمل ،وعدم رعاية العجزة والايتام والارامل والمرملين ،وقانون رفحاء الباطل الذي أضافوا اليه الألاف من الفضائيين لحسابهم،والسجناء السياسيين دون تحديد،واطلاق سراح المحتجزين والمغيبين دون سبب معين ،
ناهيك عن ..ابعاد بغداد عن نقطة الارتكاز في المؤتمرات الدولية واثبات شخصية العراق في اتفاقيات النفط المقبلة وتدميرها باتفاقيات تراخيص النفط الشهرستانية الجائرة .واهمال التعليم والمعلم ،والرعاية الصحية والطبيب في عهد الخائنة عديلة حمود،ونقل مجلس الامة الى بناية مستقلة بعيدة عن التأثير الشعبي عليه.وعلى الجملة نرجو للعراق والعراقيين ان يكونوا ككل الدول الاخرى،عين على الوطن وعين على الجماهير، لاننا نملك اكثر من كل الاخرين مالا وعلما ورجالا.فهل الوطن يستحق هذه النهاية البشعة ممن يدعون بأصحاب أهل البيت والصحابة الميامين..؟،هم كاذبون..ولا ينتمون ؟
نتمنى ان نسمع ونرى وقد تعافى العراق وعاد مرة اخرة ينفض غبار الزمن من على راسه ويصل الى ما نريد ونصبوا اليه بغض النظر عن الحاكمين الظلمة الذين اتخذوا من الدين ومرجعياته المرتشية والفاسدة والمشرعنة للاحتلال قابضة الثمن ذريعة للتدمير …هذه أمنيات المستحيل ..ففاقد الشيء لا يعطيه ..
وعلى الرغم من كل هذا الاجحاف بحق الوطن والمواطن يبقى الوطن بشبابه الغض المجاهد التشريني اقوى عودا من جميع اولئك المزورين الناكثين،لتاريخه الضارب في القدم …والذي ينبع من عين صافية لا عشوة فيها ولا ظلام..نحن ننصح السيد الكاظمي ان يكون واضحا ً..فلا داعي للماطلة والتسويف .. فأحترام من لا يستحق الأحترام هو أهانة لمن يستحق..؟