ربما يتجسد في لا وعينا الجمعي أن كل قوي صنو إله , فالتأله قوة فاعلة فوق التراب , والتأريخ يخبرنا أن القوى الكبرى (الإمبراطوريات) , عندما تصل لذروة إقتدارها وتمددها وبسط أجنحتها على بقاع شاسعة من الأرض تصاب بوهم التأله , وعندها تبدأ رحلة إنكماشها وذبولها , وإنحسارها في حفر الإنتهاء التي ستندفن فيها حتما.
لننظر التأريخ ونتأمل الصاعد والنازل فيه , فستبدو الصورة واضحة , وينطبق على جميعها القول :
“ما طار طير وارتفع …إلا كما طار وقع”!!
قوى إنتفخت وتجبرت وهيمنت ووصلت إلى ما قبل بداياتها , وكما قال الشاعر أبو البقاء الرندي:
“لكل شيئ إذا ما تم نقصان….”
ويبدو أن عاهة التوهم بالألوهية والقدرة على عمل كل شيئ , تطغى على القوى المتنفذة المستبدة فتعمي بصيرتها , وتدفع بها إلى سلوكيات نزقة وعنجهيات مرعبة , ترتد عليها وتطيح بها بعد حين , لأنها تراكم في داخلها ما يساهم بإفنائها.
وما أكثر القوى التي تدحرجت من علياء كينونتها السامقة إلى قيعان الحضيض الساحقة.
فهل أن عالمنا المعاصر تتناطح فيه القوى المارقة , المخدوعة بقدراتها التكنولوجية الفائقة؟
ليس من الواضح ما ستؤول إليه أحوال الدنيا , لكن الأحداث تشير إلى أن الأقوياء تكنلوجيا ربما سيتماحقون ويبيدون بعضهم , وستنطلق قوى جديدة من العوالم المحشورة في عضلاتها وتفاعلاتها الغريزية , وكأننا سنعود إلى سوح الغاب الكالحة , الخالية من أقنعة الحضارة المزيفة.
إنها معركة البشرية الأخيرة مع أوهامها السقيمة!!
وكأنها أينعت وحان قطافها!!