القبضوية من القبض وهو خلاف البسط , وتعني الإنقباض , ويُقال: قبض الطائر جناحه أي ضمه , وقبض الشيئ قبضا أي أخذه , والإنقباض خلاف الإنبساط , وإنقبض الشيئ أي صار مقبوضا.
والقبضوية منهج سلوكي يسري في أنظمة الحكم البشرية على مر العصور , ويعني أن الشخص أو الحزب أو الفئة والعائلة وغيرها من التسميات تقبض على السلطة , وتتحكم بمصير البشر الذي تخضعه لأمرها وسطوتها.
وهي تقبض أي تأخذ وتتمسك وتفعل ما بوسعها لإدامة قوة قبضتها على كرسي الحكم , الذي بواسطته تحقق رغباتها وترضي أهواءها.
والقابض يكون مرهونا بمقبوض , فلا قابض من دون شيئ مقبوض , والقبض بحاجة إلى قوة وطاقة وحِيَّل لإدامة قدرات القبض والتمسك بالمقبوض عليه.
وكل قبضة إلى إنبساط , فلا يمكن لفعل القبض أن يدوم , لأنه يتنافى وطبيعة الأشياء وفسلجة التفاعل في عالم الأحياء , ذلك أنك لا يمكنك أن تقبض يدك بقوة لفترة طويلة , بل أنك لا يمكنك أن تفعل ذلك لدقائق معدودة , إذ لا بد من الإنبساط , فلكي تكون القبضة قوية يجب أن يتحقق الإنبساط , والإسترخاء.
وهذا المفهوم ينطبق على السلوك البشري بأنواعه , ومنه سلوك التسلط أو القبض على الحكم , الذي يتسبب بتأجيج طاقات التفاعل السلبي مع المقبوض عليه , فكل مقبوض يسعى لتحرير إرادته من القبضة التي تتحكم بمصيره.
ولكي تنجو القبضة من الإنبساط لا بد لها أن تقضي على المقبوض عليه وتدمره وتستنزف قدراته , وتسكره بما تستطيع من خمور الويلات والتداعيات الإنهاكية الكفيلة بتدويخه وتعزيز ترنحه وغثيانه وإضطرابه.
فالمفترسات عندما تقبض على فريسة تقتلها أولا , وذلك بالإطباق على عنقها لكي تنبسط وتأكلها بجهد قليل , وإن لم تقتلها فأنها ستبذل جهدا أكبر وربما تصاب بأضرار.
والمنهج القبضوي يسري في أنظمة الحكم في المجتمعات المتخلفة , ولهذا تجد القابض على السلطة يشرّع القوانين اللازمة لتعزيز قبضته وخنق المقبوض عليهم وأسرهم في زنزانة حكمه.
وهذه ظاهرة مستشرية في أنظمة حكم الدول المتأخرة بأنواعها ما عدا القليل منها , الذي ربما في طريقه إلى غير ذلك من أساليب الحكم , لكن السائد أنها أنظمة قبضاوية , ولهذا تجد الواقع في أزمات وتفاعلات دامية , لأن القابضون على السلطة يعملون على تشديد قبضتهم وتدعيمها خوفا من التراخي والإنبساط والسقوط في وحل الإفتراس من قبل قابض جديد.
وفي الواقع العراقي فأن هذا المفهوم قد تجسد بوضوح ساطع , فما أن تهاوت الملكية حتى دخل البلد في دوامة القابض والمقبوض عليه , ونحقق تبادل عجيب للإدوار مما أسهم بتأجيج نيران الصراعات المتواصلة ما بين القابض والمقبوض عليه , فتارة يكون القابض متوحشا , وأخرى يكون المقبوض عليه في حالة من الوحشية المطلقة ذات الشحنات الإنفعالية العارمة.
ووفقا لهذا المفهوم فأن التقدم لن يتحقق في البلاد المتأخرة , والحياة لن تتحرك بإتجاهاتها الصائبة , وإنما هي منحدرات ذات تداعيات مريرة , مادامت غير قادرة على إقامة أنظمة حكم متوازنة راسخة التقاليد والأعراف , وذات قدرة على مُفاعلة الأجيال في وعاء وطني عزيز.
وهكذا فأن الأنظمة القبضوية لا فائدة ترتجى من ورائها , ولن تحقق ما هو نافع لها ولمن بقبضتها , لأن سقوطها سيحين , ولا بد لها أن تبسط قبضتها وتجد نفسها عاجزة على البقاء في سدة الحكم , إلا إذا ساندتها قوى خارجية تحافظ عليها لتأمين مصالحها , لكن الأمر حتما سيتغير لأن المصالح تتبدل , ولا يمكن لنظام واحد أن يخدم مصالح الآخرين للأبد فيكون أمر تغييره حتمي وضربة لازم.
فهل للحكم من عقدٍ وطني شريف؟!!