قطار الحياة يسير بسرعة متواصلة وبتعجيل متزايد , والقائد الحصيف هو الذي يعرف بأي العربات يضع مجتمعه , وكيف يتحرك متواكبا مع سرعة المسير ولا يقبل أن يفوته القطار.
ونحن مجتمعات فاتها ألف قطار وقطار بسب حمق القادة وسذاجة القيادات , ولا زلنا نحسب الجالسين على الكراسي قادة فنعيد إنتخابهم ونصفق لهم , وما عرفنا على أية سكة يسيرون أم أنهم يتقهقرون ويندحرون.
فمجتمعاتنا لا عيب فيها إلا العيب القيادي , لأنها لم تتمكن من الإتيان بقادة يستوعبون تطلعاتها ويأخذون بيدها إلى آفاق الحياة الأرحب , فهي في حقيقتها مجتمعات بلا قادة , ولو أنها حقا تمتلك قادة لما وصلت بها الأحوال إلى هذه المآلات القاسية المدمرة المكللة بالخسران.
فهل وجدتم مَن يتواكب مع التغيرات ويقتحم المستقبل برؤية واضحة ودراية كافية وقوة إرادة , وقابلية على الإستثمار بالمعطيات والقدرات الذاتية والموضوعية للمجتمع الذي يقود؟
هل سمعتم بقائد في مجتمعاتنا يحدثكم عن المستقبل , وما هي المؤهلات والعناصر اللازم إستحضارها لولوج آفاق التقدم والرقاء؟
هل منحكم قائد واحد شعور بأن الدنيا نهر يجري , أم أنهم وبلا إستثناء يغرقون في مستنقعات اليأس والبؤس وينشرون القهر والظلم والحرمان؟
هؤلاء ليسوا بقادة , إذا قارناهم بقادة الدنيا الذين يتسابقون مع الزمن , ويضخون مجتمعاتهما بطاقات متجددة , وينشرون الأمل والثقة بالنفس وبالقدرة على صناعة المستقبل الأفضل.
ومما يؤلم أن مجتمعاتنا تعيش أمية قيادية , وترزخ تحت جهل عميم عن معنى القيادة ودور القائد في حياة المجتمعات , ولا يمكنها أن تتحرر من نمطية الطغيانية والإستبدادية والأبوية , وأن عليها أن تتبع وتطيع وتسمح لشخص ما أن يتحكم بمصيرها ويقرر حياتها , وفقا لما تمليه عليه رغباته ودوافعه المنحرفة المدثرة بالأنانية والمحسوبية وبالتجاهل الكامل لحقوق الناس وإنسانيتهم.
فالمجتمع يساهم بقوة في صناعة القادة المضطربين سلوكيا الفارغين , الخالين من رؤية واضحة وبرنامج مبين يأخذ بالمجتمع إلى مرتبة ذات قيمة حضارية وإقتصادية وثقافية مهمة.
إنهم قادة لا يصلحون رعاة لبضعة أغنام , فكيف بنا نخولهم بقيادة مجتمع وتقرير مصير وطن , وهم من الأميين الذين ينظرون بمنظار ما يعتقدون وبعدسات أوهامهم المقعرة الوجهين!!
فكيف بنا أن نكون والقادة صم بكم عمي لا يصلحون للسياسة , وهذا يفسر نواعير الوجيع , التي يدوِّرونها بإيقاعٍ سريع؟!!