22 نوفمبر، 2024 7:55 ص
Search
Close this search box.

الفضائح الجنسية تطال الكنيسة الكاثوليكية (8)

الفضائح الجنسية تطال الكنيسة الكاثوليكية (8)

بلوغ الفضائح الجنسية حد العالمية
كانت الشرارات الأولى التي أشعلت فتيل فضائح الاعتداء الجنسي على الأطفال في الكنائس هي في: أيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أن ادعاءات حالات الاعتداء الجنسي الكاثوليكية من قبل رجال الدين ترددت في كثير من البلدان، والبلد الثاني من حيث عدد حالات الاعتداء الجنسي المكتشفة هو أيرلندا. وإضافة إلى كثير من البلدان التي شهدت حالات اعتداءات جنسية كثيرة مماثلة أيضا كشف الكثير منها في: أستراليا ونيوزيلندا وكندا، وبلدان في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وفي عام 2001م، برزت قضايا رئيسية في الولايات المتحدة وأيرلندا أيضا، والتي تزعم أن بعض الكهنة قد اعتدى جنسيا على أطفال قصر وأن رؤساءهم قد تآمروا لإخفاء جرائمهم خوفا من الفضيحة التي قد تمس الكنائس والتحريض على خلاف ذلك من سوء السلوك الإجرامي. وفي عام 2004م و في تقرير جون جاي جدول هذا التقرير مجموعة من 4392 من القساوسة والكهنة والشمامسة في الولايات المتحدة من الذين ظهرت ضدهم مزاعم الاعتداء الجنسي. وعلى الرغم من الفضائح في الولايات المتحدة وأيرلندا تكشفت خلال ما يقرب من نفس الفترة الزمنية، لكن هناك بعض الاختلافات بينهما. في الولايات المتحدة مثلا، كان معظم المعتدين من كهنة الرعية ويقعون تحت السيطرة الأبرشية. في حين كان هناك أيضا عدد كبير من الحالات التي تنطوي على اعتداءات على أطفال من قبل كهنة الرعية في أيرلندا، ولكن كانت آخر الفضائح الكبرى معنية بالاعتداءات الجنسية التي يرتكبها أعضاء الجماعات الدينية الذين يعملون في المؤسسات التي تديرها الكنيسة الكاثوليكية مثل: دورالأيتام، ومدارس الإصلاح. وفي الولايات المتحدة أيضا، كانت الاعتداءات معظمها جنسية في المقام الأول وكان ضحايا الاعتداءات الجنسية معظمهم من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما؛ أما في أيرلندا، فكانت الاعتداءات تنقسم إلى نوعين اعتداءات الإيذاء البدني واعتداءات الإيذاء الجنسي، وكانت الضحايا من الأطفال من كلا الجنسين(ذكورا وأناثا)، وعلى الرغم من ذلك لكن الغالبية العظمى كانوا من الذكور. وفي بيان قرأه رئيس الأساقفة (سيلفانو توماسي) في أيلول/سبتمبرعام 2009م، ذكر الكرسي الرسولي أن “ونحن نعلم الآن أنه في السنوات ال 50 الماضية في مكان ما بين 1.5٪ و5٪ من رجال الدين الكاثوليك شاركوا في حالات الاعتداء الجنسي”، مضيفا ان هذا الرقم مماثل بالمقارنة مع الجماعات والطوائف الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، ووفقا لمجلة نيوزويك، فإن الرقم في الكنيسة الكاثوليكية هو مماثلة لتلك الأرقام مقارنة ببقية السكان البالغين. وفي المقابل وفقا لمجلة ذا إيكونومست أشارت إلى أن 45 من القساوسة والكهنة من مجموع 850 في مالطا أتهموا بالاعتداءات الجنسية ووصفت المشكلة على أنها مشكلة “واسعة النطاق على نحو مخيف”.
لذلك تم تكليف المؤتمر الأميركي للأساقفة الكاثوليك المعرف اختصارا ب(USCCB) في عام 2004م لاصدار تقرير جون جاي واستنادا إلى الدراسات الاستقصائية التي تم أنجازها في الأبرشيات الكاثوليكية في الولايات المتحدة. أستخرجت الدراسات الاستقصائية معلومات من الملفات الموجودة عن كل كاهن في الأبرشيات متهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال والتقتيش عن كل من ضحايا الكهنة، في الشكل الذي لم يكشف عن أسماء المتهمين أو كهنة الابرشيات التي يعملون فيها. كما وشجعت الابرشيات لإصدار التقارير الخاصة بها استنادا إلى الدراسات الاستقصائية التي أنجزت فيها. وأفاد الفريق أنه من خلال (10667) شخص في الولايات المتحدة أدعوا أنهم ضحية الاعتداءات الحنسية شملهم التحقيق في مزاعم الاعتداءت الجنسية على الأطفال بين عامي 1950م و2002م موجهة ضد (4392) من الكهنة (وهذا العدد يمثل حوالي 4٪ من المجموع الكلي (109694) للكهنة الذين عملوا خلال الفترة الزمنية التي تغطيها الدراسة). وحدثت ثلث هذه الاتهامات بين الأعوام 2002م و2003م، وثلث آخر بين عامي 1993م و2001م. وهكذا، وقبل عام 1993م، إلا أن ثلث الحالات فقط كانت معروفة لمسؤولي الكنيسة”، كما يقول التقرير. من مجموع ادعاءات بلغ حوالي 11,000 ونيف، جرى التحقيق في 6700 حالة ودعمت بالأدلة الدامغة وتم إثباتها ضد 1872 من الكهنة أو القساوسة، وفي 1000 حالة أخرى كانت غير مدعمة بالأدلة ولم تثبت موجهة ضد 824 من الكهنة أو القساوسة. الحالات المتبقية 3300 حالة لم يتم التحقيق في الادعاءات بالاعتداءات الجنسية لأن الكهنة أو القساوسة المتهمين كانوا قد ماتوا بحلول الوقت الذي قدمت هذه الادعاءات والاتهامات اليهم.
ويعتقد أن هذه الادعاءات كانت ذات مصداقية ل1671 من الكهنة أو القساوسة وكانت ليس موثوقا بها ل345 حالة من المتهمين الكهنة.ولحوالي 1021 من الحالات تم الاتصال بالشرطة بشأن هؤلاء الكهنة أو القساوسة. وقد أدت هذه التقارير كلها تقريبا إلى تحقيقات، وأدت 384 من الحالات إلى توجيه اتهامات جنائية للكهنة الموجودة معلومات عنهم، فقد أدين 252 منهم وحوالي 100 على الاقل من هؤلاء خدم فترة في السجن. ونسبة 6٪ من جميع الكهنة التي ظهرت اتهامات ضدهم كانوا قد أدينوا وحوالي 2٪ حكم عليه بالسجن في تاريخ التقرير. وكان من مجموع 4392 من الكهنة أو القساوسة أو بنسبة 56٪ منهم قد ذكروا في التقرير معرضين لاتهام واحد فقط. وما يقل قليلا عن 3٪ (أو 149 من الكهنة) كانوا معرضين لعشرة أو أكثر من هذه الاتهامات بالاعتداءات الجنسية. ويمثل هذا الرقم الكهنة عن 2960 من مجموع عدد من الادعاءات. وحوالي 81٪ من الضحايا كانوا من الذكور و51٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 11 و14 عاما، و27٪ بين الذين تتراوح أعمارهم من 15-17 عاما.
واستنادا إلى إحصائيات قاعدة بيانات من 3000 من القساوسة المتهمين بارتكاب الاعتداء الجنسي التي جمعت لها، قالت جماعة BishopAccountability.org في عام 2009م أن ثلث الكهنة المسيئين في الولايات المتحدة لهم صلات بإيرلندا معتمدا على قاعدة البيانات هذه والتي يشير إلى أن البعض منهم على أنهم إما ولدوا في إيرلندا أو ينحدرون من أصول أيرلندية والذين جاءوا إلى الولايات المتحدة “لكنها لم تحدد وصلات” لايرلندا “.
ومن جانبها أفادت صحيفة ليبراسيون الفرنسية بأن قمة هي الأولى من نوعها ستفتتح في 6/2/2019م في روما، يجتمع خلالها أكثر من مئة أسقف من جميع أنحاء العالم، للبحث في فضائح الاعتداءات الجنسية على القاصرين التي تهز الكنيسة منذ عدة سنوات. وقبل انعقاد القمة، وافق البابا فرانيسس على مرسوم بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2019م أصدره تكتل أهل العقيدة والإيمان الذي حل محل محكمة التفتيش القديمة في روما، ويقضي بفصل ثيودور ماك كاريك عن مهامه الدينية وعن واجباته الكهنوتية، وهي أخطر عقوبة يمكن أن تلحق برجل دين.
وكان ماك كاريك قد فقد لقبه ككاردينال الصيف الماضي -كما تقول الصحيفة- قبل أن تثبت عليه عدالة الكنيسة تهمة الاعتداء الجنسي على القصر واستخدامه سلطته الدينية لهذا الغرض، وقال الكاردينال دانيي ديناردو كبير الأسقفية الأميركية: “لا يوجد أسقف فوق قانون الكنيسة”.
وتقول برناديت صوفاجي -التي كتبت المقال في ليبراسيون- إن اللعنة التي أصابت ماك كاريك تنم عن الفوضى الكبيرة التي تتخبط فيها الكنيسة الكاثوليكية في أيامنا هذه، ففي فرنسا كشفت صحيفة لوموند أن السفير البابوي لويجي فنتورا متهم بالاعتداء الجنسي على شاب يعمل في بلدية باريس، ولم تحاول الكنيسة تحويله عن مكان عمله لتمكين القضاء من محاكمته.
وقد يدل هذا التصرف -بحسب الكاتبة- على تطور في موقف الكنيسة، لأنها كانت في السابق تحاول التستر على سلوك رجالها كما حدث في 2002م، عندما غطى أسقف بوسطن الكاردينال (برنار لو) مئات الحالات من الاعتداء الجنسي – كما يظهر ذلك في القضية التي يرويها فيلم “سبوت لايت”- ولجأ هو نفسه إلى الفاتيكان للإفلات من القضاء الأميركي. وتضيف صوفاجي أنه بعد محاكمة الكاردينال (فيليب بارباريه) الشهيرة لتستره على الاعتداء الجنسي في قضية برينات، سُمح لفيلم “فرانسوا أوزون” – بقرار من العدالة – بالصدور في 20 فبراير/شباط 2020م، خاصة أنه يعالج مشكلة التكتم على الحقيقة وصعوبة تحدث ضحايا العنف الجنسي.
ويقول فرانسوا أوزون لصحيفة ليبراسيون إنه لاحظ وجود إرادة قوية في التغيير لدى الكاثوليك، وإنه يجب على الكنيسة إجراء تغيير كبير من الداخل لتتخلص من هذه التهمة السيئة التي تلاحقها. وترى الصحيفة أن كتاب “سودوما” – وموضوعه الشذوذ الجنسي- لمؤلفه فريدريك مارتل، سيكشف هو الآخر نفاق الكنيسة الكاثوليكية حول قضية المثلية، عندما ينشر في 21 فبراير/شباط عام2019م، وكما يقول هنري ثينك الكاتب الصحفي بصحيفة لوموند الفرنسية”سيكون ذلك بمثابة قنبلة ذرية ضد البابا يوحنا بولس الثاني وبنيديكتس السادس عشر”.
وقالت الصحفية إن البابا الحالي ظل قبل ربيع 2018م يتمسك بموقف غامض من قضية الاستغلال الجنسي للأطفال، إذ منع إنشاء محكمة خاصة بالفاتيكان لمحاكمة الأساقفة الذين تستروا على قضايا اعتداءات جنسية، كما قام بحماية صديقه الكاردينال الأسترالي جورج بيل المسؤول عن الشؤون المالية. وأوضحت الصحيفة أن فريدريك مارتل -رغم أنه محاب جدا للبابا ويعتبره البطل المناهض للاعتداء الجنسي على الأطفال- متهم لدى بعض الدوائر المتشددة الأميركية بأنه صديق للشواذ. وفي النهاية، تخلص الصحيفة إلى أن الكنيسة الكاثوليكية تمر بأزمة لم يسبق لها مثيل في العصر الحالي، متوقعة أن بقاءها في أوروبا الغريبة مهدد ولا سيما أنها منهارة أصلا بفعل العلمانية.
وأعلن الفاتيكان رفضه تقديم أي معلومات إلى لجنة حقوقية أممية عن التحقيقات الداخلية للكنيسة في الاعتداءات الجنسية على أطفال من رجال دين، وقال إن سياسته هي الحفاظ على السرية في مثل هذه الحالات، وردا على سلسلة أسئلة وصفت بـ”الصعبة” طرحتها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، قال الكرسي الرسولي: إنه لن يصدر معلومات عن التحقيقات الداخلية في حالات الاعتداء “إلا إذا تلقى طلبا بذلك من دولة أو حكومة للتعاون في الإجراءات القانونية”.
وتهدف الأسئلة – التي طرحتها اللجنة – إلى تقييم التزام الكنيسة باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1990م بشأن حقوق الطفل، وهي معاهدة تضمن مجموعة كاملة من حقوق الإنسان للأطفال وقع عليها الكرسي الرسولي. وقال الفاتيكان إن الإجراءات التأديبية الداخلية “غير متاحة للجمهور” من أجل حماية “الشهود والمتهمين ونزاهة العملية الكنسية”، لكنه أضاف أنه يجب احترام قوانين الدولة بما في ذلك الالتزام بالإبلاغ عن الجرائم.
وأشار الكرسي الرسولي إلى أنه “يشعر بحزن عميق إزاء محنة الاعتداء الجنسي”. وأكد أنه غيّر شروط قبول المرشحين للكهنوت، وطور القانون الكنسي، وطالب مؤتمرات الأساقفة بوضع المبادئ التوجيهية لمكافحة الاعتداء، ولفت الانظار إلى أنه لا يمكن إلقاء المسؤولية على الفاتيكان عن تصرفات المؤسسات أو الأفراد الكاثوليك حول العالم، وقال إن الأساقفة المحليين يتحملون المسؤولية عن ضمان حماية الأطفال.
ومنذ أن أصبح أول رئيس غير أوروبي للكنيسة الكاثوليكية منذ 1300عام نجح البابا الارجنتيني فرانسيس – إلى حد كبير- في تغيير الصورة بعد استقالة البابا بنيديكتس السادس عشر في فبراير/شباط عام2013م. المصدر: وكالة رويترفي 4/12/2013.

 

أحدث المقالات