الأرث والوصية …كيف نفهمهما…؟
الحلقة الثانية
ولدت الآديان حرة ،وستبقى حرة لقول الحق: لا اكراه في الدين(البقرة 256). سنواصل التعليق على الخلاف والاختلاف الوضعي بين الفرق الدينية ، وسنتطرق اليوم الى الارث والوصية ،لنتبين حقيقة النص الديني وما هدف الية دون رغبة من مذهب أوفِرقة او تنظيم ، فهل تصحى العقول الجامدة لتدخل عالم التقدم والتغييربعد ان اصبح التراث الديني يواجه الامتحان العسير على اوسع نطاق لما حملته مروياته من تناقضات ،وخرافات ،ومعارضة لمقتضيات المنطق والعقل والنص القرآني المكين.؟ .
كل المجتمعات لها آديان ،لكنها تقدمت وابدعت وعاشت حرة بلا قيود ، الا نحن جمهرة العرب والمسلمين لازلنا نتمسك بالوضعيات الفقهية للفقهاء والاحاديث التي نقلتها لنا كتب أساطيرالوهم من امثال صحيحي مسلم والبخاري وبحار الانوار، والتي ليس لها من حجة فيما تقول ولا دليل.ولم تقتصر المعارضة لها على المفكرين و المثقفين والباحثين،بل انتقلت الى الوسط الديني الذي يواجه اليوم الأسئلة الصعبة التي يعجز عن الاجابة عليها حتى لو امتلك احترام السائلين.
ولنبدأ بألارث :-
—————–
جاءت كلمة الارث في الايات الحدودية (تلك حدود الله ،النساء 13)، التي يجب اطاعتها ،ولاعصيان لها ( النساء الآية 14) ،حين أعطى للذكر مثل حظ الانثيين … بعد وصية يوصي بها أو دينٍ (النساء11).ويُفترض تطبيق النص في حالة عدم مشاركة المرأة في المسئولية المالية للاسرة،وتكون المشاركة حسب الظروف التاريخية . لكن هذا التقسيم للارث الذي قرره الفقهاء كحد قطعي لها خطئاً، لم يكن حداً قاطعا ًبموجب الاية الكريمة التي تقول : (كُتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين
2
بالمعروف حقاً على المتقين،البقرة 180).لذا على من تحضره الوفاة شرطاً شرعياً وقانونياً ملزماً ان يكتب الوصية ، وهي أية محكمة التنفيذ. وهذا القانون
اليوم من القوانين الملزمة في كل الدساتير الاوربية والامريكية والدول المتقدمة دون أستثناء ما عدا دول العالم الثالث المتخلفة التي لا تؤمن بصيرورة الزمن التي تقول ،الزمن يلعب دورا في عملية التغيير..
اذن تقسيم الأرث حسب الوصية للآية 180 من سورة البقرة هو الصحيح وليس كما يدعي فقهاء الدين.
على السلطة العراقية الحالية وهي تدعي الديمقراطية وحرية الاختيار وأقليم الشمال الذي تحكمه حكومة النرجسيين ، ان تثبت ذلك في دساتيرها ً قانوناً ملزماً لها من قوانين الاحوال الشخصية ،حتى لا تبقى الاية الكريمة تقرأ دون تطبيق،كما نقرأ القرآن اليوم لا لنفهمة ، بل لنسمع تجويد أصوات القارىء عبد الباسط والمجودين ولا غير..فهل سنسكت على مجلس النواب الغائب عن الحقوق ليأتينا بقانون جديد للاحوال الشخصية يميت فيه القانون رقم 188 لسنة 1959 ليعود بحقوق المرأة مائة سنة الى الوراء تلبية لرغبات رجال الدين اصحاب نظريات الجنس وما ملكت آيمانهم والتفضيل.كل شيء في سلطة الفوضى جائز ما دام المسئول لايؤمن بحقوق الانسان والقانون.
وبما ان الاية الكريمة رقم180 من سورة البقرة حدية وليست حدودية فهي المفضلة على أيات الارث (وللذكر مثل حظ الانثيين) . ان ما اصر عليه الفقهاء (لا وصية لوارث ) بحديث مقطوع أملته بعض الظروف التاريخية لاهل المغازي الذين لا زالوا يلزمون النساء به حسب ادعائهم ، وادخل كقانون في حقوق المرأة -والمرأة هي الام والاخت والزوجة ،كل منهن لها تفصيل في الحقوق لا يجوز اختراقه ابدا،ولا بحاجة الى تخريجات بعيدة عن النص .والاية القرآنية تعلو على الحديث،ولا يمكن للرسول(ص) ان ان يخترق الاية القرآنية ابداً،لابل هو الذي قال لاتنقلوا عني غير القرآن (أنظر الواقدي في المغازي ).وفي الاية القرآنية الكريمة تقرير واضح تماما ًفي حقوق المرأة مادياً ومعنوياً،يقول الحق( يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينةٍ وعاشروهن
3
بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا،النساء 19).ولكن اين من يرشد المغفلين الى الصحيح ؟.
الايات القرأنية الكريمة واضحة وصريحة لا لبس فيها بخصوص المرأة وحقوقها الشرعية والانسانية مع الرجل في الارث ،وهذه كلها احكام دينية صرفة عُتم عليها من أجل تقديم مصلحة الرجل على المرأة استجابة للتقاليد البالية المتعارف عليها في المجتمعات الذكورية منذ القدم حتى أفقدوها ثقتها بنفسها والمجتمع.،والتي ظلت متوارثة تتناقلها الاجيال من جيل الى جيل خطئا ،متناسين أنها ما هي الا قواعد وقوانين ربانية لا يراد لها ان تخرق.لذا فان الزواج والطلاق وحقوق المرأة يجب ان تخضع للقانون المدني كما هو سائد في المجتمعات الحضارية المتقدمة وتنزع من سلطة رجال الدين.
فرق كبير بين الوصية والارث. الوصية شكل من اشكال توزيع المال من وارث الى وريث بعد الوفاة مقدرة بنسبة معينة تحدد حسب الرغبة الشخصية للمورث وهي مفضلة على الارث لقدرتها على تحقيق العدالة بين من يستحقون التوريث وبوضعه المالي والاسري والتزاماته تجاه الاخرين ، وهذا ما يؤكده الواقع الموضوعي ،اذ لكل انسان وضعه الخاص من اسرة واقارب والتزامات تختلف عن وضع الانسان الاخر ،فالتمائل (التشابه)غير موجود في الوصية ،بينما موجود في الأرث .
ان حصة الوارث في قانون الارث يحدده موقعه من الموروث سواءً كان الاب او الام او الزوج او الزوجة او الاخ او الاخت،لذا فالتماثل من صفة العامة ، والاختلاف من صفته الخاصة . والارث والوصية يمثلان جدلية التمائل والاختلاف، لذا تم تفضيل الوصية على الارث في التنزيل الحكيم.
وفي القرآن الكريم ذكرت الوصية في سبع ايات قرآنية ، منها وصية الدين والتقوى،ووصية الصلاة والزكاة ، ووصية الاحسان بالوالدين ،ووصية أجتناب المحرمات ما ظهر منها وما بطن، ووصية تحريم قتل النفس الانسانية الا بجرم مشهود،ووصية الالتزام بالعدل والصراط المستقيم(التي نكرها الحاكم
4
).واضاف القرآن ليها الوصية بعدم التجاسر على الثوابت الوطنية( الآية 43 من سورة التوبة).
أما وصيةالارث جاء ت في ثلاث ايات كريمات وتمثل أية سورة البقرة 180 قمة الوضوح في الوصية ،اما تفضيل الارث على الوصية فيحتاج اليوم الى وقفة جادة من علماء التاويل والتفسير لاسباب لازالت موضع نقاش لم يحسم بعد.لأن التقسيم في الحصة يخضع لحسابات دقيقة لم يعرفها الفقهاء حينذاك. والبحث هنا يطول.
واذا تتبعنا آيات الارث نجد ان أول آية فيه تقول: (يوصيكم الله في أولادكم ) وتختتم ثاني أية من أيات الارث بقوله تعالى :(…… وصية من الله والله عليم حليم،النساء12).والاية القرآنية الثانية لها دلالة كبرى هو ان الوصية هي اساس انتقال الملكية وانها تكليف من الله للناس كالصوم والصلاة وبقية التكاليف الشرعية الاخرى.
وفي القرآن جاءت كلمتي الحظ والنصيب في سورتي النساء آية 7 ( للرجال نصيبُ مما تركَ الوالدان والاقربونَ وللنساءِ نصيبُُ مما ترك الوالدان والاقربون مما قلً منهُ او كثٌر نصيباً مفروضاً)، وفي الاية 11 (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)،لكن الفقهاء فسروها تفسيرا لغويا ترادفيا خاطئاً في التفريق بينهما ،(فالنصيب هو حصة الانسان في الوصية ،أما الحظ فهو ما يصيب الانسان من الموروث )، والفرق بين الاثنين كبير ،لذا تم دمج الوصية بالارث تجاوزاًعلى الحقوق.
ان الاسس التي وضعها القرآن الكريم كانت واضحة لتحقيق مبدا العدل والمساواة بين الناس ذكورا وأناثا.اما ما اورده بعض الفقهاء بأختراع أيات الناسخ والمنسوخ التي زعموا فيها ان الوصية في اية البقرة المذكوره اعلاه منسوخة في ايات التوريث لسورة النساء فهو أمر مردود ، لان النسخ جاء في الرسالات ولم يأتِ في الايات القصار.فرسالة عيسى نسخت رسالة موسى
5
ورسالة محمد نسخت كل الرسالات السابقة ليكتمل بها الدين ولا رسالة من بعدها( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا،المائدة 3).أما التحجج بالنسخ في سورة النجم (1-20) فهو ليس نسخا لاية بل ذكرا لها لأن الحدث كان وهماً ولم يأتِ على لسان رسول الله (ص) حقيقة.
والغريب ان اكثر الفقهاء والقائلين بقدرتها ممن يتشدقون بالسُنة النبوية الشريفة على النسخ ، هم اول من يهمل السُنة الشريفة حين يتمسكون بالقول المنسوب لهم 🙁 الأنبياء لا تورث ،وما تركناه صدقة) .ولكن لا ندري لمَ لم يلتزموا هم بها فيتركوا أموالهم صدقة. يبدو ان السُنة النبوية عندهم هي حجة في السيطرةعلى عقول الناس ومصادرتها ،واحتكار الرأي لهم دون الاخرين ، أنظر مقالة السُنة’ النبوية وتاريخيتها للدكتور محمد شحرورفي كتابه فقه المرأة ص125 وما بعدها.
واذا كان هناك من يعين الاختلاف فمرده الى العلماء المؤولين للقرآن ،لا الفقهاء المفسرين له تفسيراً ترادفيا فيه الكثير من الضعف والوهن والذين تركوا لنا كل هذه الاشكاليات الحياتية في الدين.ولو تابعت كتب الفقه عند غالبية الفِرق الدينية المتخاصمة فيما بينها باطلاً ،لوجدت من التخريجات ما يشيب له الرأس دون الوصول الى نتيجة محددة واضحة بيقين .
القرأن وكلماته الخالدة لا تقبل التحريف او الافتراض أو الترادف اللغوي وخاصة في الحقوق والواجبات الانسانية التي جاءت في معظمها بآيات حدية لا تقبل التغيير. فثقوا ايها القراء ان كل ما جاء عند الفقهاء اجتهادات شخصية فردية مزاجية من بنات أفكارهم كما اليوم عند مرجعيات الدين ،ولا تستند على نص قرآني أكيد ولا على دليل علمي صحيح( الحجة بالدليل)،عفا عليها الزمن فلا سُنة ولا شيعة في الأسلام الا في رؤوس مروجيها من الفقهاء الفرس المنتفعين في خدمة السلطان المتجبر البغيض،أنظر كتاب الفقية والسلطان لوجيه كوثراني ص11 وما بعدها ستجد العجائب؟.
نحن نحث الحكومة العراقية التي تدعي الوطنية والديمقراطية ومنظمات حقوق المرأة، الى التمسك بقانون الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم في الاحوال
6
الشخصية الذي يعتبر طفرة واضحة في التطور الحضاري في القانون العراقي الحديث والاستزادة عليه في الحقوق ،لا تبديله بقانون متخلف من صنع طبقة الفقهاء النواب المتزمتين الذين تتعارض افكارهم مع حقوق المرأة في التثبيت .خصما للتنازع وقطعا للتخاصم.في مجتمع ينهض حديثأً نحو التقدم والاستقرارلنكون اول السابقين.
فلا حل امام العراقيين والتقدم الحضاري الا بفصل الدين عن السياسة واستبدال القانون الديني بالقانون المدني حسبما جاءت به وصية الاسلام الاولى(الوثيقة النبوية المغيبة ) لنبتعد عن ضياع الحقوق والتخريف الفقهي . بعد ان أوقعونا في الخلافات التي ليس لها من أصل في التشريع الديني المنزل الصحيح وجاؤنا بمصطلحي( شيعي وسني) وهي ليست لها من وجود في الذكر الحكيم ؟.فهل سيستجيب الحاكم تلبية لحقوق المرأة والشعب أم يبقى يهرول خلف الفقهاء المتزمتين الذين آوقعونا في عوق التاريخ ؟
أنظر كلمة الوصية والارث قي دوائر المعارف الاسلامية وعند معظم الباحثين ستجد ان كل ما قاله الفقهاء يجانب الحقيقة في الدين ..؟.