تساهم سياسة “نصف الخطوة” في تفاقم الاحباط بين العراقيين بسبب الوعود و الالتزامات المؤجلة وانعدام التواصل الانساني بين المسؤول و المواطن بحيث بات النازح غريبا في بلاده و اعداد المحاصرين في تزايد منذ حزيران الماضي، بينما سمعنا وعودا كثيرة لم تر النور، ابتداءا باطلاق سراح الأبرياء مرورا بتحقيق المصالحة الوطنية و انتهاءا بطرد داعش، وكأن هناك جهات متنفذة تُدير العجلة بالمقلوب لاشاعة المزيد من الفوضى في البلاد.
ان ما يجري في العراق لا يكشف عن وجود سلطة متنفذة و صانعة قرار محايد و الخلل ليس في النوايا الصادقة بالاصلاح التي يدفع بها العبادي الى الواجهة، بل في انعدام الثقة بين السياسيين و تشظي مركزية القرار الأمني بعد اتساع دائرة التحرك امام المليشيات المسلحة و تعدد مراكز القرار الأمني، ما لا يسمح بالتفكير فياستقرار حقيقي لاختلاف الأهداف و تعدد البرامج و المشاريع.
ان حصر السلاح بيد الدولة ليس ترفا سياسيا أو اداريا بل ضرورة ملحة للبدء بتطبيق القانون، فهناك فوضى متراكمة منذ سنوات تزداد انتشارا باستغلال الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق، اضافة الى قوى تضع العراقيل أمام أي تحرك لتهدئة النفوس، مثلما جرى مع التنقيح السلبي لقانون المسائلة و العدالة باعتراف الدكتور أحمد الجلبي، الذي يطالب بانهاء العمل بهذا القانون الذي لاجدوى منه بعد 12 سنة على بدء تطبيقه.
ولأن العراق ليس ملكية شخصية أو حزبية لأي جهة، ولأن الضحية هو الشعب ، فانه لم يعد مقبولا التباكي على الأطلال بقياس حدة الصوت” المؤقت” عند هذا المسؤول أو غيره، فطالما سمعنا عن قرارات في حال عدم تنفيذ الالتزامات و العمل على كشف خيوط الجريمة و معاقبة المجرمين، لنحصد هواءا في شبك، حيث لم يتم الاعلان عن نتائج تحقيق نهائية بأية جريمة، مثلما لم نشاهد مسؤولا في قفص الاتهام، وكأن كل ما يجري يتم بأيادي خارجية مفروضة أو مستوردة، بينما الصحيح غير ذلك ، ولهذا السبب تتنوع عمليات القتل و التهجير لأن القرار ليس مركزيا، وقديما قال العقلاء “من آمن العقاب ساء الأدب”.
ليس معقولا ان يبقى عشرات الاف الأبرياء وراء القضبان، بينما يعيث المجرمون فسادا في الأرض، ولم يعد مقبولا تحويل العراق الى دولة بلا قرار أو سيادة حقيقية، مثلما من غير المنصف تحويل المواطنين الى دروع بشرية و قتل الأمل في نفوسهم، أو تحويل البلاد الى مدن متناحرة لتقتصر سلطة القرار فيها على المنطقة الخضراء، أو أن يقول بعضهم ان المواطنين في المناطق الغربية و الشمالية يرفعون السلاح بوجه الدولة لذلك يتحملون النتائج بلا رحمة، بينما الصحيح أن ” سيناريو داعش” مؤامرة تستهدف آخوة العراقيين بمزاج طائفي يحدده مناطق نفوذهم و قنوات تدميرهم، فالقول أن داعش يدافع عن آهل السنة هو تحريف للحقائق لمواصلة مهمة تدمير مستقبلهم و نهب ممتلكاتهم، لذلك ستحتاج مناطق العمليات العسكرية سنوات عجاف لاعادة الاعمار، ما يكشف عن هدف مدفوع الثمن أسمه تخريب أخوة العراقيين، وعندما نعرف المستفيد من هذه المهمة نعرف ولاءات داعش الحقيقية.