الناس سواسيه كأسنان المشط، وأكرمهم عند الله اتقاهم هذا ما سنته السماء على لسان خير البشر، ولكن عندما خطب سلمان الفارسي بنت الخليفة عمر ابن الخطاب رفض تزويجها له استصغارا لأنه ليس عربي، وعندما خطب الصحابي بلال أمرأه من بني بياضه، رفضوا لأنه كان عبدا، ولكن رسول الله زوجها له رغما” عنهم. فالاحتقار والاستعباد لازم العرب قبل الإسلام واستمر كما استمرت بعض جاهليتهم بعد الإسلام.
ظهر الرق اول مره عندما استوطن الانسان القرى، وبدأ العمل في الزراعة وأنتاج المحاصيل , فأخذ يستعبد الضعفاء والغير قادرين على الدفاع عن انفسهم ومن ياسرهم في الحرب, واحدث ذلك تحولا” نوعيا” في طبيعة تعامل الانسان مع الانسان فبدل قتل الاسرى اخذ يسخرهم لأداء اعماله بدلا” عنه ثم يبيعهم للبدو والقرى الاخرى.
العبودية او والرق هي امتلاك الانسان لأخيه الانسان بعد تحييد قوته في الرفض والدفاع، فيسخره طوال حياته في العمل الشاق، والحرب، فسن قوانين تنظم الاسترقاق منها انه يجوز اعارته وبيعه وقتله او ان يفعل به ما يشاء سواء كان رجل او أمرأه.
انتشرت تجارة الخطف والاسترقاق في مصر اول مره, حيث كانت الحرب بين الفراعنة المصريين والكوشيين في بلاد النوبة المصدر الأول لتجارة العبيد, وكذلك في عهد الرومان والبابليين والاشوريين. كانت الأراضي الخصبة في دلتا النيل تمتص الالاف من العبيد بحيث وصل فائض انتاج الدلتا من الحنطة ما يكفي لتغذية كامل الإمبراطورية الرومانية قبل غزوها، ثم استخدمهم المصريين لبناء الاهرامات اعظم العجائب السبعة في التاريخ.
لم تستثني أي حضارة في التاريخ استعباد الانسان من قيمها الثقافية، حيث كانت الصين في اغلب مراحلها تغير على بلاد الهند وشرق اسيا لجلب العبيد، حتى حضارتي المايا والازتيك البعيدتين كانوا يستخدمون العبيد كقرابين لألهتهم الدموية بحيث يقدر مأتم التضحية بهم بمئات الألوف سنويا”.
في منصف القرن الخامس عشر وبعد اكتشاف الطرق البحرية بين القارات كانت إيذانا” ببدء أضخم عملية استعباد في التاريخ على يد الإنكليزي والاسبان للشعوب الأفريقية، وفي عام 1619 بدأت تجارة الرقيق تأخذ منحا” جديدا” عندما اشتركت اغلب الدول الأوربية بهذه التجارة الرابحة بعد المكاسب الرهيبة التي يحصلون عليها جراء خطف البشر من الساحل الغربي لأفريقيا ورزمهم بأبشع الأوضاع داخل السفن، ليتم بعد ذلك توزيعهم بين ولايات العالم الجديد بعد تطهيره من الهنود اهل الأرض الأصليين. ليبلغ عدد المُستعبدين في الامريكيتين أكثر من 15 مليون انسان، كانوا يُعاملون بوحشية وقسوة لا يمكن وصفها، حتى تبرير فلسفة عدم انسانية هذه المخلوقات التعيسة التي وقعت في كماشة الاسترقاق لا تكفي لتعزيز أي قناعه مقاربه، فكان الاغتصاب والقتل لأجل التسلية أحد مظاهر الثراء في امريكا الجديدة، فظهرت العاب شيطانيه كأطلاق العبد في غابه ثم البحث عنه لاصطياده جماعيا” كنوع من الترفيه.
أحدث الرق تحولات هائلة في المنظومة الثقافية في اوربا وامريكا حيث انها الظاهرة الاولى التي تشكك بجميع القيم الإنسانية وطبيعتها السلوكية، وتجعل المسافة بين الله والانسان ليست قائمه دائما” على الافعال النبيلة، إذْ يرى الكثير من رجال الدين كما رآها قبلا” ارسطو وافلاطون ان الاسترقاق ضرورة تكوينيه، ومكمله لدورة الحياة، ولا بأس بتعذيب بعض البشر لجعل الحياة مستمرة.
أسهم استرقاق الأفارقه في تزايد الوفرة المالية بشكل هائل في اوربا وامريكا، حيث ساهم في تفرغ أعداد كبيره من طبقة النبلاء للشؤون العلمية، وتأسيس الجامعات، وتمويل البحوث في شتى مناحي المعرفة مما سرّع في تفجير الثورة الصناعية وتغيير وجه العالم بأكمله لصورته الحالية، لتكون أبشع جرائم الإنسانية سببا” لدفع عجلة التطور بشكل خرافي بأبعاده الفكرية والفيزيائية.
شغلت حرية الانسان واسترقاقه الوعي البشري في فلسفته وتدينه سواء في التنوع المعرفي او التطبيقي. فحرية الانسان في العقيدة المسيحية ليست كما هي في اليهودية او الاسلام، وليست كذلك في المدارس الوضعية كالماركسية، ولكن اغلب الاديان تكاد تجمع على ان الانسان حر بفطرته لا يقبل الاستعباد والاسترقاق.
رغم خلو الديانة اليهودية من نصوص واضحة في تبرير وتسويق استرقاق الانسان، الاّ ما ندر، الّا ان التاريخ يوحي بأن اليهود كانوا مخترعين ومنفذين لأغلب الصناعات التي تخالف الإنسانية في طبيعتها، ومنها تجارة العبيد. يقول النص التوراتي (
اذَا اشْتَرَيْتَ عَبْدا عِبْرَانِيّا فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ وَفِي السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرّا مَجَّانا) ولكن اليهودية تقف صامتة” تماما” عن استرقاق الشعوب الاخرى حتى انها روجت لقصه خرافية تروي اللعنة السرمدية لنوح عليه السلام لاحد ابنائه فتقول (ملعون كنعان عبد العبيد لأخوته).
انعكس الفكر اليهودي في الكثير من اركان الوعي العربي ليزيده شؤما” على شؤم، فقد افرزت اليهودية التي احتضنها بعض العرب قبل الاسلام، الفكر الطبقي وعنصرية الاجناس، واختلقت الفروق والتباين بين أنواع والوان البشر على الالوان الاخرى.
كانت اليهودية تروج لسمو ذوي البشرة البيضاء على الالوان الاخرى حتى لو كانوا من العبيد، وان العرب ذوي البشرة السمراء هم عبيد في عين الله، ومكانتهم خلف الاجناس الاخرى، وان من يعمل في المهن اليدوية كالزراعة هم السود فقط, لأنها مهن حقيره ومنحطة, لينغرس هذا التصنيف العجيب بين البشر و عميقا” في الوجدان العربي, ليتحول من مجرد مظاهر لعقائد يهودية الى مقدسات شعبيه غير ممكن ازالتها, حيث بقي العرب يميزون الناس حتى بعد الاسلام سواء في احتقارهم للمهن او الاجناس, اذا يقول الشاعر في احتقاره للعمل (فمَنْ تكن الحضارة أعجبته…. فأي رجال بادية ترانا … ومن ربط الجحاش فإنّ فينا … قنا سلبًا(طويله) وأفراسًا حسانا).
اما في الديانة المسيحية فعلاقتها الرسمية شبه غامضه تجاه الاسترقاق حيث تجد بعض الرموز المسيحية قد تطرفت كثيرا” في اخضاع العبيد بالعنف والموت، والبعض الاخر سكت عنها كأنها غير موجودة.
بقول القديس اوغسطين والقديس توماس الاكويني ان الكنيسة لم تحرم الاسترقاق نصا “ولم تحاول الغائه، وورد في الانجيل في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية يقول ” كونوا خاضعين بكل هيبة ليس للصالحين بل للعنفاء أيضا” وهو امر صريح بطاعة العبيد لأسيادهم دون الدعوة لتحريرهم, اما بطرس الرسول فيرى ان استعباد البشر غير المسيحيين هو تطهير لهم من دنس الحياة اذ يقول (الرق كفّارة عن ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوا من غضب السيد الأعظم”, والاكثر إثارةً عندما يكتب القسيس المشهور (بوسويت) في تبرير قواعده الأدبية للمسيحية الجديدة إذْ يقول ” إن من حق المحارب المنتصر قتل المقهور فإن استعبده
واسترقه فذلك منه ُمِنّة وفضل ورحمة” .
امتلكت الكنيسة في الكثير من أدوراها الافا” من العبيد (المؤمنين) سواء في اوربا او أمريكا اللاتينية في الزراعة وصيانة الحدائق وخدمة بيوت الأساقفة، حتى ان منهم (الأساقفة) كان معروف في اوربا بأنه من اكبر تجار الرقيق في العالم مثل ( لاس كاسياس) البرتغالي كما يقول وول ديو رانت.
الرق في الاسلام لم يختلف كثيرا” عن الاديان الاخرى وان كان أكثر تنظيما”، اذْ لم يرد نص صريح بتحريم الرق واستعباد الامم بعد هزيمتها. حيث كان للنبي محمد (ص) الكثير من العبيد خلال فترة حياته ومنهم زيد ابن الحارثة وأبو رافع (ثوبان) وشقران و(صالح) ورباح (نوبى) و يسّار (نوبى) و مدعم (نوبى) و كركرة (نوبى) وأبو مشره (أناسه) ودقوان و مهران ومروان و هنيم و سندار وغيرهم,.
يقول الكاتب الفرنسي ( فانسان مونتيه ) ان الاسلام الدين الوحيد الذي ربط بين عتق العبيد وكفارة الذنوب, وهذا مالم تقله جميع الاديان الامم . ويورد الكثيرين ما يعتبره البعض دفاعا “عن الاسلام في عدم تحريم تجارة الرقيق , وهو ان هذه الظاهر متأصله في المجتمعات وخاصة العربية, حيث تعتمد التجارة والزراعة وحركة الحياة في مدن وقبائل العرب على العبيد, ولم يكن من السهولة الغائه بل تدرج في تحريم النخاسة.
الاتجار بالبشر جريمة تنتهك الإنسانية في عمقها السامي، وما يحدث الان في سوريا والعراق من أعادة كتابة الصفحات السوداء جريمة اكبر، اذْ يتم تسويق نساء العرب امام انظار العالم لأثراء تجارة الجنس واعمال الرق والعبودية، ورغم انكار الدول العربية وتحريم تجارة الرقيق علنا”, لازالت بعض البلدان العربية كالمغرب و اليمن تزدهر بها هذه التجارة خلافا” لكل الاعراف الدولية.
في 25 أيلول عام 1926 وقُعت الاتفاقية الخاصة بالرِّق في عصبة الامم المتحدة، وهي ثمرة جهود العظماء الاوائل في الثورة الفرنسية، وكتابات جان جاك روسو، والليبراليين الذين فقدو بعضهم حياته ثمنا” لإعادة الإنسانية في قلوب البشر، وكان ابراهام لنكولن رمزا” انسانيا” لا يمكن تكرار أثره في الارض الا بأعمال الانبياء والقديسين فلولاهم لكانت المدن تجاور اسواق النخاسة وإعلانات البيع تصلك عبر البري الالكتروني.
[email protected]