كتبتُ عددا من المقالات حول هذا الموضوع على مدى السنوات الماضيات , ولا زلت أرى أن العلة الحقيقية التي تنبثق منها العلل الأخرى هي فقدان العربي لقيمته كإنسان , فأنظمة العرب السياسية لا تحترم قيمة وحقوق الإنسان , وتحسبه رقما من الأرقام المسطورة على يسار عروشها العتيدة المتجبرة المتوجة بالبلاء.
وفي هذه الأيام تواصل الكلام عن لافتة مرفوعة في الإحتجاجات الدائبة في الولايات الأمريكية على قتل المواطن جورج فلويد , واللافتة تقول , نحن لسنا عربا لتقتلوننا ونصمت , والبعض يؤكد أنها مفبركة وغيرهم يرى أنها ليست كذلك , ومهما كانت فأنها تشير إلى حقيقة فاعلة في مجتمعاتنا على مدى القرن العشرين ولاتزال في ذروتها.
فكم من المواطنين تم قتلهم بدم بارد وما قامت إحتجاجات أو مطالبات بحقوقهم , وكم تفاعلت الحكومات مع المحتجين بالقتل المروع الشديد , في بصرة العراق تظاهر الناس مطالبين بماء صالح للشرب وتحسين الخدمات , وإذا بالقوات أيا كان مسمّاها قد قتلت بضعة مئات وأصمتت الجميع بعد تعاون ذوي العمائم المتاجرة بدين مع القتلة.
وفي بداية هذا العام قامت تظاهرات تطالب بحقوق المواطن الإنسانية , فقتل المئات وتعوق الآلاف وأختطف المئات وعذبوا , وما نفعت الإحتجاجات , فكلما طالب المواطن بحقوقه يتم توصيفه بما يجيز محقه , وعليه أن يصمت ويرتع بإذعانية مطلقة للكراسي التي تقرر مصيره الأليم , وهو صاغر قانط مستكين.
فالكلام عن حقوق الإنسان في بلاد العرب أوطاني لا ينفع , وهو أشبه بالهذيان , لأن أنظمة الحكم عليها أن تنفي قيمته ودوره في الحياة لكي تتواصل في الحكم , وأي نظام يرى للإنسان قيمة ودور سيتم الإنقضاض عليه وإقتلاعه , فالأنظمة النافية لقيمة الإنسان هي المفضلة , والتي عليها أن تتواصل في الحكم , وتنجز المزيد من الدمار والخراب.
ولهذا فقتل العربي لا تترتب عليه أية نتائج أو مسؤولية , لأنه رقم وفقا لمقتضيات المصالح والأهداف المرسومة , والقاضية بإستلاب حقوقه وتهجيره ودفعه إلى متاهات الوعيد.
وكلما تظاهر العرب مطالبين بحقوقهم الأساسية كالماء الصالح للشرب والطعام والرعاية الصحية , ستجدهم قد تحوّلوا إلى أهداف مطلوبة محليا وعالميا , ووصِموا بالأوصاف والمسميات السيئة , التي تسوّغ قتلهم وتحسبه نصرا وفخرا وإنجازا وطنيا عظيما.
ووفقا لذلك فأن العربي عليه أن يقتل العربي , والمسلم يقتل المسلم , ولو قُتِلَ الملايين منهما لما تحرك ضمير العالم ولا تظاهر الناس من أجلهم , لأنهم أرقام , ومن ضرورات التمتع بالحياة الحرة الكريمة , أن يتواصل قتلهم كما يحصل في سوريا واليمن وليبيا والعراق , وباقي الدول التي تنمحق فيها قيمة الإنسان , وفقا لمقتضيات وإرادات الآخرين الطامعين بالبلاد والعباد.
فاقتل أيها العربي عربيا , وأيها المسلم مسلما , فهو المطلوب إثباته وأنتَ أداته!!