23 ديسمبر، 2024 11:57 ص

العرب … وبؤس المستقبل !!!

العرب … وبؤس المستقبل !!!

” كعرب علينا إن نصحو لندرك ونحذر ونسعى… فوشيكا… سيكون لمستقبلنا بؤسه الخاص… وزواله الخاص… وسيكون للعالم منطقه الخاص.. وتطوره الخاص.. وشكله الغير متوقع تمامًا !!! ”

استراتيجيات الصراعات متجددة ومتنوعة ماضيا وحاضرا وان بعض الصفات والأنماط الشائعة تظهر إثناء مقارنة استراتيجيات الحروب الماضية بالحروب المعاصرة، ومن أهم محددات التغيير هما كلا من استراتيجيات العولمة والثورة التكنولوجية والتي لهما طابع طويل الأجل وبُعد عالمي, وان اتجاه التشغيل السلبي لهذا الزوج من المحددات يؤدي دورا هاما بأدراك عمل الجيوش والعوامل التقنية والعسكرية المرتبطة مع ظهور أنظمة الأسلحة عالية الدقة وتطور تقنيات الدفاع الاستراتيجي وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي بها أو بغيرها تضاءلت قدرة منظمات الأمن الدولية على التأثير بشكل كبير بالوضع والأمن الدولي ومنع عواصف الفوضى !!
لجيوش اليوم يتم رسم ووضع استراتيجية الحروب الهجينة لتحتوي النطاق العالمي والطبيعة المستمرة المضمونة الشروط بالمكونات الموضوعية, وان العنصر الأيديولوجي لها يتم تحديده عبر التهديدات والتحديات النابضة، ولذلك هناك مشاريع رؤية عالمية مختلفة جوهريا وكل منها متوهم حالة الانتصار عبر ركب موجات التغييرات الثورية في المجتمعات والشؤون العسكرية, وإن تعريف الحرب الحديثة “حرب حضارات” يعكس بشكل كامل التوجه الرئيسي لاستراتيجية الحرب الهجينة ويعطيها التكامل في الأفكار التي ترمز إلى أعلى أهداف الحرب ومعاني الوجود القومي والحضاري. وليس غريبا إن اكدنا وبينا إن حرب المعاني والعبارات تكتمن في قلب إستراتيجية الحرب الهجينة التي تهدف إلى ضمان التحكم المنهجي المستمر في جميع جوانب حياة الدول والسيطرة على عقلية سكانها, لذلك تمثل وسيلة لتحقيق النصر في الصراعات التي سيكون لها تأثير هام وأحيانًا حاسم على تطور المجتمعات الحديثة, كما وإنها هي التي ستحدد أهداف الصراعات والشكل الضروري والكافي للمشاركات في العمليات الحربية وكذلك ستحدد القضايا المتعلقة باستخدام جميع موارد البلاد لمواجهة الأعداء أو حتى الأصدقاء !!!
تتميز الحروب المستقبلية الهجينة بظهور محدد جديد يعطي ذلك النوع من الصراعات مكانة وطاقة للإنكار ويتحدد بتحويلها لنماذج جديدة لها ليوصف بشكل كامل من قبل المفهوم الفلسفي التجاوزي, وإن التجاوز ليس أكثر من إزاحة الحدود وعدم وضوحها بما يتعلق بين الحدود والأشياء وبين القيم، ولهذا فان ظاهرة التعدي في عملية تغيير حرب قد تؤدي إلى تشكيل منظور تطوري جديد تماما لضمان تشكيل ظواهر جديدة في المجال العسكري وفهم التجاوز على انه مفهوم اجتماعي وفلسفي بالاعتماد على نظام فلسفي ومعرفي لمحاولة إظهار أن الحرب هي مجموعة تجاوزات للقوانين وتحويل قيامها من الداخل إلى الخارج، وهذا الاستنتاجات له ما يبررها بما يتعلق بقياس مسببات العدوان التي تعرضها الحروب خارج الإطر القائمة في توفير فرص اختراقية لمستويات جديدة للصراع ذات النوعية الجديدة حقا، فيؤدي الانتقال إلى نوعية جديدة لبلورة ظاهرة مبتكرة وبعدا جديدا للحروب، وفي هذه الحالة تكون القائمة المصفوفة لقرون خطية من الحروب هي غير متناسقة مما يعجل الانتقال إلى نماذج جديدة وكافية الهجين والقياس المتكامل والمستقل والمتعدد الأبعاد, وهذا الاتجاه هو عامل مهم يؤدي إلى تغيير في جوهر الأفكار الأساسية وظهور أبعاد جديدة في كنف المواجهات المعاصرة وجنبا إلى جنب مع التحويل التام للصراعات والمظاهر المعروفة فتمتاز بعدد من المزايا فتدفع لفهمها على أنها مجال غير محدد الاحتكاك ولا يمكن الاعتماد على تلك الظاهرة لاعتبار ان مفهوم الاحتكاك في الحروب الدولية اختفى تقريبا وتمركز في الأعمال العسكرية المحلية لذا فحينما يتم تقديم الحساب عنه فستقل درجاته اثر التطورات العسكرية والعلمية المعقدة.
ونظرا للطبيعة المتنوعة للمشاركين في حروب المستقبل الهجين فسيزيد الضغط النفسي والإجهاد مما يزيد احتمالية الأخطاء، ولذا تعتبر الإجراءات في الفضاء السيبراني مصدراً قوياً للتأثيرات المزعجة التي تثير الفشل في أنظمة الحكم والتحكم وستستخدم على نطاق واسع في حروب المعلومات والتصيد والتضليل والإنترنت الموجهة ضد القيادات والأنظمة للمساهمة في ابتكار مناخ من الفوضى والارتباك, ونتيجة للاحتكاك بالظواهر والوقائع التي تبدو ضئيلة على ما يبدو بالمستوى التكتيكي فأنها ستتلقى قوة وقدرة محفز استراتيجي فيمكن لها بذلك أن تؤثر على مسار الحملة العسكرية بأكملها, ولذا يمكن لها أن تكون كآلية محفزة للكوارث التكنولوجية الصناعية في المنشآت المدنية والعسكرية والهجمات الإرهابية على الاتصالات متسببة بعدد كبير من الضحايا، وعادة ما تكون مجاميع مصادر الاحتكاك أكبر من موقعها البسيط لأن بعض أنواع الاحتكاك تتفاعل مع الآخرين مما يزيد من نتائجها المدمرة.
تساهم استراتيجيات حروب المستقبل الهجين في حدوث تحولا كبيرا غالبا ما لا يمكن التنبؤ بها، وعلاوة على ذلك ففيها يتأكد عدم اليقين بالمجاميع الواسعة من المشاركين المؤثرين على عوامل النتائج المهمة, ووفقا لقانون التراكم الديالكتيكي للمظاهر الكمية ففي الصراعات الطويلة هي تؤدي إلى تغيرات نوعية في المجالات الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأيديولوجية للحياة العامة للدولة المعتدية وحتى للدولة المعتدى عليها استراتيجيا وتكتيكيا ليتم تلبيسها ونشرها اعلاميا عبر الاستراتيجيات والمفاهيم التي تحدد الأهداف والغايات والأساليب الأمر الذي يتطلب المراجعة أو الاستبدال الكامل لأنها قد تؤدي إلى “تدمير” الأسلحة والمعدات العسكرية والتكنولوجية مما تفقدها أهميتها، ولان مدتها الزمنية طويلة فأن توضيح الفترة الزمنية المحددة للحروب يمثل الحاجة إلى إيلاء اهتمام خاص لظاهرتها في تحليل تحول كل عنصر من مكوناتها وذلك لمنع خراب عناصر المكون الأيديولوجي الرئيسي في سياق حروب المعلومات واخضاعها لأكثر التغيرات الدراماتيكية التي يصعب التنبؤ بها تحت تأثير العوامل الداخلية والخارجية.
وان تساؤلنا حول ما هو الحسم في تطوير إستراتيجية عربية لمواجهة المعارضين الجيوسياسيين فأن طرح ووضع استراتيجيات متطورة لمواجهة حروب مستقبلية لاسيما في المجال الاقتصادي وإجراء عمليات تخريبية فيه تتمثل في إضعاف الاقتصاد ورفض الخضوع لمصالح المعارضين الماليين والاقتصاديين العالميين المسيطرين على الساحة السياسية العالمية، وأهم العوامل المحددة للصراع في المجال الاقتصادي هي التأثير المتكامل على القطاعين المالي والإنتاجي عبر إدراك مجال استهلاك العدو لذا يتطلب ذلك استجابة متكاملة في امر لا يمكن تصوره من دون وجود هيكل السلطة العليا للتنسيق والتخطيط على ضمان تنسيق وتطوير القرارات الهامة وابراز مسؤولية السلطة العليا في الهيئة الإدارية السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، غير إن ذلك يجب أن يستند على تجديد لمستوى نوعي من المؤسسات الاقتصادية للدولة التي تضمن تنسيق الروابط في الزمان والمكان وتناغمها مع إستراتيجية التنمية في البلاد, كما إن الوظائف والمهام لإدارة مركزية تحتاج إلى أن تتكيف مع واقع عصرنا عبر وضع إطار تنظيمي جديد ينظم أنشطتها لجذب الموظفين الأكفاء وأتمتة عمليات التنبؤ والتخطيط ومتابعة القرارات وفرض رقابة صارمة على الموارد المستخدمة بتدابير المحتوى والنطاق لدمج قدرات الإدارة المركزية للاقتصاد وتوفير الوصول إلى مسار التنمية المستدامة وابتكار هامش إضافي للسلامة واستقرار للمؤسسات الوطنية الأخرى.
إن تحسين وظيفة التكامل بنظام الإدارة في الاقتصاد أمر في غاية الأهمية لمنع الصراعات المتولدة من الحروب المستقبلة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي لانهما اساس للاستقرار السياسي، وهنا نرى إن الإحساس بحروب المستقبل يتلخص بالسيطرة الكاملة على وعي الشعوب وبالتالي التأثير بحاضرها ومستقبلها, ويتمحور الهدف الرئيس في احكام السيطرة على الوعي العام والفردي واللاوعي لسكان وموظفي وافراد الدول وجيوشها، وعبر ذلك نجد إن الغرض منها يتمركز في استبدال القيم الوطنية والمصالح الوطنية بأخرى كاذبة، وهناك أيضا هدف استراتيجي لتلك الأعمال التخريبية في المجالين الاقتصادي والإعلامي ينطوي على استخدام الأدوات غير العسكرية لكسب السيطرة الكاملة على البلاد وإمكانية تركيعها عبر تأثيرات غير محدودة عليها وعلى مستقبلها.
ونحن كدول عربية هل نحتاج لنموذج عربي استراتيجي للوقوف بقوة تجاه الصراعات العالمية؟ ومن غير أدنى شك إننا نحتاج بشدة للتكيف الناجح لضمان نظام الأمن القومي العربي للتحديات والتهديدات، ويعتمد ذلك إلى حد كبير على القدرة لتوليد معرفة جديدة حول التهديدات المستقبلية، وعلى هذا الأساس يفترض إن تتحدد إستراتيجية الدول العربية وأولويات التنمية لقواتها المسلحة وتوليف اقتصادياتها وثقافتها, وذلك لإنه جدا مطلوب تنفيذ توليفة من المعرفة القائمة لتشكيل مفهوم جديد للصراعات المعاصرة وتجهيز نموذج عربي رسمي لمعارضتها، ولذا يجب بناء النموذج العربي المتمثل في مكافحة حروب المستقبل الهجين والانقلابات والتدخلات الملونة والقدرة على التصرف بسرعة وحسم في النزاعات وبرمجة تهيئات تسمح بتحقيق نتائج هامة مع فاعلية التعامل مع الاضطرابات الصغيرة نسبيا, اضافة إلى ضمان القدرة العربية على التركيز بسرعة على الجهود والموارد المهمة في أكثر الأماكن تعرضًا للتهديدات وهي واجهات المعلومات والمؤسسات الاقتصادية وضمان الأمن الإلكتروني للبنية التحتية الحيوية المعلوماتية، وإجراء استطلاع مستمر وتفاعل وثيق مع هياكل السيطرة العربية السياسية والعسكرية من قبل الدول والقوات المسلحة من أجل تنفيذ استراتيجيات لضمان الإنشاء السريع والاستفادة من تطوير المناطق المهددة، وتوفير وتجهيز الموارد البشرية وبأساليب عالية الجودة والقادرة على ضمان تطوير وتنفيذ إستراتيجية لمواجهة الحروب المستقبلية، وفي الختام يترتب على ما سبق أن الاستخدام لتلك المحددات في تكوين استراتيجيات لمواجهة الصراعات المقبلة تجعل من الممكن تحديد مجموعة من الخصائص المتأصلة في الانواع المعينة لمفاهيم الصراعات قد تسهم في ظهور معرفة جديدة حول طبيعة النزاعات وانعكاساتها المناسبة لخصائص التعارض في الوثائق العقائدية حول ضمان الأمن القومي العربي.