23 ديسمبر، 2024 3:32 ص

العراق بين ايران واسرائيل !!

العراق بين ايران واسرائيل !!

لا يختلف عاقلان على استنساخ سياسة العراق الخارجية للماضي القريب والبعيد في أغلب الملفات، باستثناء خصوصية العلاقة مع ايران،  التي لا تخلو من الشوائب أيضا، فالبلاد تدار بعقلية ” المعثرات” كما يقول العراقيون، لذلك يتم البحث بقرارات النظام السابق بمزاجية عالية جدا و في مختلف التفاصيل، فيمررون التعديلات التي تناسب ما يسمونه ” العراق الجديد”، ويغضون الطرف عن ” المناطق الحمراء”، رغم أن هذه الاخيرة هي التي تفرق بين الفشل و نقيضه، و تكشف عن الجرأة واجترار المواقف.
وقد سألت الكثير من العراقيين و من ثقافات مختلفة عما يعتقدونه الأكثر خطورة ، علاقات مفتوحة مع ايران أم تبادل مصالح مع اسرائيل، و أيهما يؤذي العراق أو ينفعه؟ وبالمناسبة فقد وجدت اجماعا لم أنتظره ” نعم لعلاقات متوازنة مع اسرائيل تخدم مصلحة العراق في المقام الأول، طالما آفلت شمس القومية  في المنطقة ، و تغيرت القناعات من الغزو والاحتلال و العمالة، مع التأكيد على احترام شرعية المطالب الفلسطينية بالأرض والحياة الكريمة”، منطلقين من حقيقة أن العلاقات المتشنجة لا تقدم حلولا، والالتقاء في منطقة الوسط أفضل الأف المرات من استمرار حوار الطرشان.
و قناعة مني بأن أصحاب ” العقول النائمة” سيتهموني بما هو كثير، ولست معنيا بما سيقولون، فأنا أناقش الحدث من وجهة نظر عراقية معتدلة، فمن حق يهود العراق العودة الى وطنهم، واستعادة حقوقهم كمواطنين لا اسرائيليين متعصبين، وبالمناسبة سأروي للقاريء قصة أمرأة عجوز التقيتها صدفة في باريس، بعد أن استوقفتها لهجتي العراقية وأنا اتحاور مع أصدقاء في شارع ” الشانزلزيه”، تقدمت مني بخطوات ثقيلة و سألتني أنت عراقي قلت نعم ، “قالت بغداد ست البلاد عمت عين الدنيا عليها، اتمنى أموت فيها، كنت أسكن شارع النضال و زوجي يعمل مهندسا في الأسكندرية، الله لا يوفق اللي رجعنا الى اسرائيل”، أنتهت السيدة من ايصال رسالتها فبكت.. قبلت يديها وقلت لها ” أنك عراقية الهوى والهوية فهزت راسها، وقالت  انشالله نلتقي في نادي العلوية”!!
هذه مشاعر سيدة ربما يتقاسمها الكثير من يهود العراق ” المهجرين بلا وعي”، و ربما هي صرخة تطالب بحق مسلوب بارادة جاهل في العلاقات الانسانية، وربما هي الوجه الأخر لمعاناة الفلسطيني، وربما لوعاد كل المهجرين من يهود العرب الى بلدانهم الأصلية لتغيرت سياسة اسرائيل العدوانية، و ربما وربما!! ثم عندما يطالب العراق بالأرشيف اليهودي يؤكد هويتهم العراقية، وهو ما يجب التعامل معه بواقعية الفرسان لا بسياسة الدوران حول النفس، بعيدا عن نبل الانسانية.
ما أريد أن اقوله ان من حق كل مهجر العودة الى وطن ولد فيه و تربى و تعلم، بغض النظر عن دينه أو عرقه، فهو عراقي سواء تم تهجيره داخل وطنه أو تم ابعاده بقرار فوضوي، وعند ذلك سيتسعيد المجتمع العراقي توازنه، وربما يخف الأحتقان في النفوس، بعد أن دفع السياسيين بقارب الانغلاق  حتى خارج مياهنا الاقليمية، كم هي فاشلة سياسة الأنانية!!
و أضيف رأيا أخر سمعته من استطلاع راي العراقيين وهو أن ايران العقائدية تشكل خطرا على العراق أكثر من اسرائيل الاستيطانية، لأن الطريق مفتوح أمام الخيار الأول و توضع الكثير من المطبات في الثاني، بسبب فواصل تاريخية ، بدليل ما يجري حاليا من تسويق ممل لما يسمونه” مباديء الثورة الايرانية”، التي هي باختصار عملية منظمة لاثارة الفتنة وافتعال المشاكل من منطلقات فكرية و قومية استعلائية، لا توفر أرضية عيش متسامح، و الأدلة على ذلك لا تنتهي بالحبشة أو مينامار أو العرب في الأهواز!!
ما يهمني التأكيد عليه ان القرارت الفوضوية لا تؤسس لعلاقات متجانسة، وأن الأنتقائية تتعدى على قيم الأرض و السماء، ولا بد من مراجعة سريعة للذات السياسية ، و قراءة متأنية للمتغيرات، فاليهودي العراقي لا يختلف عن المسيحي المهجر بارادة سياسية ، ولا عن سلب ارادة الكردي الفيلي بعقدة القومية الأنطوائية، الجميع شركاء في الوطن، وليس من ذنبهم وصول الجاهل الى صناعة القراربظروف استثنائية، و من حق العراقيين العيش كأخوة بلا توصيفات عبثية، ما أحلى الرجوع الى عراقيتنا و طرق الأبواب المغلقة منذ نصف قرن وزيادة ربما تختفي وراء أصفادها سعادة عراقية!!

رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]