عقدٌ من الزمان ويزيد عليه عام مضى على احتلالٍ ، لم يجد فيه العراقيون سوى ديمقراطية الخراب والدمار، ديمقراطية بالاسم فقط، كرهوا حتى اسمها بعد ان تحولت إلى كابوس انتج الإرهاب والفساد والنعرات الطائفية والعِرقية.
كان الهدف الحقيقي من وراءه، هو السيطرة التامة على ثروات البلاد وتدمير بنيته التحتية، فضلا عن تأسيس نظام محاصصة طائفية وعرقية لإدارته وزرع بذور الفتنة بين أبنائه، تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات شيعية وسنية وكردية خدمةً لمصالح الكيان الصهيوني.
يتفق العراقيون اليوم على أن الاحتلال الأمريكي لم يجلب لهم سوى الالم والحزن وتمزيق نسيجه الوطني ، بعد ان كان متراصاً تسمو فوقه كل الخلافات والنعرات، لتغدو لغة الوطن والمواطنة فوق الجميع.
السنوات العجاف المظلمة شهدت مسلسلاً من الأحداث الدموية والأزمات المتواصلة، فضلاً عن ضياع وهدر المليارات من الدولارات التي ذهبت إلى جيوب المفسدين من العراقيين وغيرهم، اما أمريكا التي احتلت العراق بذريعة محاربة الارهاب ، اثبتت الايام والسنين انها هي من أتت بالإرهاب وتفننت بصناعته، تاركةً خلفها الخراب والدمار والافٍ من الارامل واليتامى ، تعلوهم الفاقة والفقر في بلد يطفو على انهار من الخير.
في مثل هذا اليوم تم التعدي على حاضر العراق ومستقبله بتعد اخر على تاريخه وذاكرته العريقة التي كانت منارة ومعلماً للإنسانية، في مثل هذا اليوم نُهبت سومر , وحُرقت بابل و اهتزت عروش اشور، وهجوم على اقدم بنك حضاري اوجدته البشرية في تاريخها.
هذا الاحتلال لم يخلوا من تخطيط دولي ، وتواطؤ محلي رخيص، كان أول ما صدم الرأي العام المحلي والعالمي لدى اجتياح قوات الاحتلال الامريكي لعاصمة الرشيد ، هو العبث بممتلكات المتحف العراقي ومكتبته الثمينة التي فقدت على ايدي مختصين ومحترفين ، بين حرق وتدمير لكميات هائلة من الملفات ، بما فيها وثائق عثمانية، وخرائط وصور نادرة كان السبب الرئيس هو إهدار تراث العراق الضارب في العراقة والحضارة.
هذا ما صنعه الاحتلال ببلد قلّما يقال عنه انه كان المَصَدُّ الحقيقي لبوابة الشر الشرقية التي كانت تهدد العرب، لقد بات واضحا وجلياً ان المخطط وتقاسم الأدوار وتبادلها بين المحتل الغربي وقرينه الشرقي كان مدروسا ومحكما تجاه العراق وشعبه الامن الصابر والمحتسب، حتى تحولت اماله واحلامه الى كوابيس تقض مضاجعهم ليلاً ونهاراً، جراء هذه الديمقراطية التي افترست بأنيابها أجساد المواطنين المسالمين، ومشاريعها الوردية التي سرقت أموالهم تحت شمس النهار واطعمتهم طعاماً فاسداً تحت قمر الليل الذي ما عاد ينجلي من شدة عتمته .
مدن العراق تجني اليوم ثمار الديمقراطية الحديثة وصراعات أشباه الرجال الذين نسوا بأن دمار البلد هو دمار لهم جميعاً.
بغداد التي تغنى بها الشعراء والادباء والمفكرين والفلاسفة أصبحت كالأرملة، مهيضة الجناح تخلى عنها أقاربها فأصبح كل مخنث يحلم بضمها إليه” العار خراب الدار وأهلها فيها ” !!! غنت فيروز يوماً ( يا قدس يا مدينة السلام ) ليتها تغني ( بغداد يا مدينة الأحزان ).