تعجز السلطات المسؤولة وخاصة في المجتمعات النامية في اسيا وافريقيا عن جعل المواطن يلتزم بشكل جاد باجراءات الوقاية من الاوبئة وغيرها من الكوارث الطبيعية والكوارث البشرية لعدة اسباب من بينها : كون مشاعر المواطن قوية ونابعة في هذه المجتمعات من القلب بالاضافة الى العامل الاقتصادي (مصدر الرزق ) وثانيهما عدم استعداد او عدم قدرة الجهات المسؤولة عن تخصيص و تقديم المحفزات المالية والدعم الملموس كدفع الايجارات نيابة عن المواطن مثلا وثالثهما ايمان المواطن بوجود نظرية المؤامرة نتيجة عدم صدقية اصحاب النفوذ في الدول المؤثرة في الغرب كشركات الادوية خاصة عند التعامل مع شعوب العالم الثالث بشكل خاص من خلال فبركة الحجج . وليس ادل على ذلك ماحصل للعراق في الحرب مع امريكا بحجة وجود اسلحة الدمار الشامل وبعد الذي حصل ما حصل بعد الحرب تبين للجميع عدم وجود اثر لهذه الاسلحة وان الامر مدروس لتدمير العراق وعزة شعبه وشهامته من قبل اعداء اليوم والامس.
كل هذا كان يدور في فكري وانا اعيش متقاعدا في العراق في السنة الثانية لانتشار وبا ء الكورونا. تقاعدت بعد مرور عقود من العمل الاكاديمي في عدة دول (انجلترا والمغرب والامارات واخيرا التقاعد كبرفسور في 2021 في العراق). ومن الوقائع الداعمة لما ذكرته سابقا هو وليمة عيد الفطر التي دعنا اليها صديق يعيش في ارياف قرب الكوفة وكانت وليمة رائعة و دليل كاف لكرم ابناء شعبنا في العراق العظيم وعمق مشاعر اهله. حضر الدعوة العشرات من الاقارب والاصددقاء والمعارف دون الالتزام باجراءات الوقاية من جائحة الكورونا كارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي والتلقيح الذي لقي نصيبه الاكبر من الشعائات وتخويف الناس منه لاسباب مختلفة بعضها مؤمراتية وبعضها خرافية وتم التقاط الصور لهذه الفعالية من خلال الهواتف المحمولة ونشرها وانتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
والمعروف ان ثقافات الامم تتنوع وتختلف. وللعلم الثقافة هي ليست اجادة القراءة والكتابة والاطلاع على الكتب وتحدث اللغات المختلفة ومعايشة الكتاب والمثقفين وانما هي مجموع القيم والتقاليد والاعراف التي تربى عليه الفرد في المجتمع وتوارثها. هذا النوع من التجمع البشري قد يكون جدا مقبول لنا وطبيعي جدا كمجتمع شرقي اسيوي له تقاليده واعرافه العريقة متحديا المخاطر ومجازفا من اجل ابقاء هذه القيم واستمرارها ومفتخرا بما بناه الاسلاف ومؤسسا لثقافة متينة للاجيال القادمة ولكنه مرفوض ومستغرب من طرف مجتمعات لها ثقافات غير ثقافتنا كما انه مرفوض نوعا ما من طرف بعض ابنائنا من هاجروا وهجروالبلد واندمجوا في مجتمعات الغرب نتيجة للهزات السياسية والاقتصادية العنيفة التي تعرضها لها العراق خاصة في القرنين العشرين والواحد والعشرين .
انا اعتقد ان هذه الممارسات لم ولن تختفي مهما ارتفعت درجة خطورتها لانها عريقة واصيلة لها لذة ولا تستطيع تكنلوجية العصر الحاضر ولا الكوارث القضاء عليها.
فبالرغم من نشر وانتشار الصور والفيديوهات من طرف رواد منصات التواصل الاجتماغي رغم قوة هذه الحجة المرئية والمرئية المسموعة( The Camera Never Lies) في تبين المضار والسلبيات لم يمتنع اصلاء المجتمع العراقي من التمسك بما تربو عليه مهما كانت درجة الخطورة لان هذه الممارسات عريقة.
وسيستمر صراع تكنولوجيا كل عصر مع عراقة ولذة واصالة القيم المجتمعية وكما هو الان وستبقى الاصالة وستعاني المجهودات الرامية لدفن القييم المجتمعية الاصلية مهما ارتفعت درجات الخطورة كما فعلت حجارة الطفل الفلسطني في دحر العدو الاسرائيلي في زمن الانتفاضة. هذه الحجارة التي واجهت اعتى الاسلحة المزود بها جيش الاحتلال. وكما تفعل الان صواريخ غزة المحلية الصنع في اختراق القبة الحديدية الاسرائيل.
اننا بهذا لانشجع الفوضى التقليدية وعدم الالتزام ولا نتعامى عن الاخطار ولكن هذه وقائع لابد من ذكرها في المجتمعات القدرية (Fatal Societies) وهكذا تعيش وتنمو مجتمعاتنا رغم كل الصعاب والكوارث. وينطبق على هذا القول انجليزي :اذا عجزت عن اقناع الجماعة التحق بهم( If you cannot beat them, join them) ولا تسبح ضد التيار .