18 ديسمبر، 2024 9:51 م

ما يحصل في الواقع العربي يستوجب الإقتراب الشامل القادر على تفكيك مفردات التفاعل والتداخل المتسببة بالتداعيات المتوالية المتنامية , وعليه فلا بد من طرح الأسئلة الجريئة الخارجة عن صناديق الأضاليل والأكاذيب والدجل المتاجرة بالدين والبشر.
ترى لماذا دوامة التصارعات لا تتوقف , والحلول تغيب؟
يمكن القول أن الديمقراطية المتوهمة أو المتخيلة لا ترتبط بمفردات الواقع ولا تتوافق مع معطياتها وتوجهاتها , فالواقع العربي محكوم بالأحزاب والتوجهات الدينية , وهذه في جوهرها تتقاطع مع الديمقراطية وترفضها تماما , إذا لابد من التبعية وتعطيل العقل لكي تبقى وتتسيد على المجتمع , وتقبض على عنق الحياة وتتمتع بالإمتيازات والخيارات التي تحسبها من حقوقها , ومن واجب الناس المقبوض على مصيرهم أن يعملوا لتوفيرها لهم.
كما أن هذه الأحزاب والجماعات لا تؤمن بالوطن أيا كان إسمه , فهي تتوهم أنها تصنع أمة , ووطنها أرض الله الواسعة .
وكما هو واضح فأنها في يقينها تمتلك الحقيقة المطلقة , ولا دين إلا دينها , ولا رأي إلا رأيها , ومعظمها أعطت الحق لنفسها بتكفير الآخر والإفتاء بقتله ومصادرة ما يمت بصلة إليه , وذلك بإسم ما تراه وتؤمن به من المعتقدات التي تقول أنها الدين.
وهذا يعني أن الديمقراطية لا يمكنها أن تكون وتتحقق في بيئة تعاديها وتتقاطع مع أبسط مبادئها , التي تستوجب عقدا إجتماعيا أو دستورا وضمانا لحقوق الآخر في معتقده ومواطنته , وبالتعايش الإنساني ما بين البشر , وحرية التعبير عن الرأي , والتفكير والنظر والتقدير.
أي أن الديمقراطية وفقا للسائد من التصورات تُحسب خروجا عن المألوف والمعتاد , وأنها ضد المعتقد أو الدين , وفيها تهديد سافر للقِوى المتسيدة بدين.
فلا يحق للناس أن تفكر , ولا يجوز لها أن تبدي رأيا , لأن في ذلك خراب الأمة وزعزعة مرفوضة للسلطات الدينية , وإزعاج للعمائم بأنواعها , وتقويض لتجارة الفتاوى والأوامر التي تصدرها للتحكم بالمصائر.
كما أن الديمقراطية تعني التعليم والتثقيف والتحرر من الجهل والأمية , وفي هذا تهديد كبير وعدوان سافر على الذين يريدون من الناس التوهم بأنهم هم العارفون , وغيرهم الجاهلون الخانعون الخاضعون لإرادتهم والمنفذين لأقوالهم وإشاراتهم.
ووفقا لما تقدم , فأن الشباب المتنور الذي تخرج من مدارس العولمة المتنوعة المتعددة المتدفقة بالمعارف والمعلومات , يتحرك تواصلا مع زمانه لكنه في المكان الخطأ , مما يدفع إلى الإستثمار في تياره وتبديد إتجاهات جريانه , وتوجيهها نحو الإضطراب والتخبط والغرق في اليأس والإحباط والوجيع الخسراني الشديد.
ولهذا فأن أي نهضة شبابية يتحقق الإستيلاء عليها من قبل الأحزاب الدينية والمجموعات والعمائم بأنواعها , وتوظيفها لتمرير الأجندات الطائفية والمذهبية وحتى العنصرية.
ويبدو أنها مواجهة حامية وقاسية , لكن تيار التنوير والعولمة المتفتح سينتصر حتما , وسينهزم أعداء الزمان والمكان المناوؤن للحياة الحرة الكريمة , والمستعبدون الناس بإسم الدين.