إن المجتمع الذي عاصر تربية المربي الأول سيدنا محمد(ص) نجد أن هذا المجتمع وصل إلى أعلى درجات تطور وتقدم علاقة الانسان بأخيه الانسان، وقد أجمع العلماء من مختلف المذاهب بأن هذه هي الفترة الذهبية في علاقة الانسان بأخيه الانسان…
كيف حدث ذلك؟
كل ذلك حصل بسبب العبادة المخلصة لأن العبادة تمثل التجسيد العملي لعلاقة الانسان بربه والتي لها دور تربوي في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان…
والعبادة هي جزء من الشريعة لكنها الجزء الأهم الذي يضمن تطبيق الشريعة كلها…
ماذا تتطلب علاقة الانسان بأخيه الانسان؟
هناك حاجات ومتطلبات لهذه العلاقة اي لتقدم وتنمية هذه العلاقة بالشكل الذي يضمن نجاح الحياة واستقرارها وتحقيق السعادة…
فهناك الحاجة إلى الارتباط بالمطلق الحق الخالق الذي هو مصدر التوجيه والتربية والسعادة…
وما العبادة إلا تجسيد ومران عملي لترسيخ هذا الارتباط بالمطلق الحق، والاعتقاد بدون مران عملي لا يمكن ان يترسخ في نفس المؤمن ومن ثم زوال هذا الاعتقاد ثم الضياع والضلال..
وكذلك تتطلب علاقة الانسان بأخيه الانسان الموضوعية وتجاوز الذات اي عدم تقديم المصلحة الشخصية على المصالح العامة… فإن تقديم المصلحة الشخصية على مصالح المجتمع يعني انحراف علاقة الانسان بأخيه الانسان…
فيحتاج الإنسان إلى تدريب ومران عملي من أجل تربيته على الموضوعية في القصد وتجاوز الذات..
وما العبادة إلا تجسيد لكل ذلك كما نلاحظه في الزكاة والجهاد باعتبارهما من أهم العبادات والتي تعتمد بالدرجة الأساس على سلامة النية بالإضافة إلى العمل…
وتحتاج هذه العلاقة –علاقة الإنسان بأخيه الانسان– إلى الشعور الداخلي بالمسؤولية لكي يكون خير ضامن لكل ما ذكرناه وهذا الشعور الداخلي بالمسؤولية يتحقق من خلال علاقة الانسان بخالقه والإيمان به لأنه يمثل الرقابة التي لا تسهو ولا تنام مما ينشأ عند المؤمن به شعورا داخليا بالمسؤولية وهذا الشعور الداخلي يزداد رسوخا خلال العبادة التي لا تصح إلا عن نية خالصة من العجب والرياء، فالنية المخلصة هي التي تجسّد وترسّخ هذا الشعور الداخلي بالمسؤولية بل وتحافظ عليه من الفتور والأفول والزوال…