18 ديسمبر، 2024 10:06 م

الفهم الواقعي لمهنة الطب يشير إلى أن جودة الخدمات الطبية يتناسب طرديا مع عدد الأطباء وكليات الطب في المجتمع , وهذه معادلة فاعلة في الدنيا المعاصرة.
لكنها لا تبدو كذلك في بعض المجتمعات التي فيها عشرات الكليات الطبية وآلاف الأطباء , والخدمات متردية , والناس يذهبون للعلاج في الدول المجاورة والأجنبية.
والعجيب في أمرها أنها كانت ذات خدمات طبية أفضل عندما كان عدد الأطباء قليلا , ولا توجد فيها سوى بضعة كليات طب , ومع تنامي أعداد الأطباء وكلياتهم , تردت الخدمات , فكيف يمكن تفسير ما لا يُعقل؟
إن الرعاية الصحية تتوافق مع قيمة الإنسان , مما يعني أن الواقع السياسي يزري بها , وبغياب هذه القيمة تغيب متطلباتها , من رعاية وحقوق إنسانية وحاجات أساسية وضرورية للحياة.
فالعمود الفقري للإجراءات المتعلقة بالمواطنين بأنواعها تتصل بقيمة المواطن وأهميته ودوره في المجتمع , والحكومات التي لا تهتم بقيمة المواطن ولا تراعي مصالحه ومتطلبات عيشه الكريم , لا تساهم في تطوير الخدمات الصحية , ولا تعنيها حياته وعزته وكرامته .
وعندما تتحول البلاد إلى غنيمة , وتتقاتل على الكراسي القوى المتسلطة فيها , فأن همّها سيكون ضيقا ومحصورا بالمنصب , الذي سيدر عليها ما تشتهيه من الأموال المسلوبة والحقوق المنهوبة.
وهذا يفسر كثرة الأدوات والمؤهلات وغياب دورها , لأن بيئة الرعاية الصحية مغيّبة , والفاعل هو قهر المواطن وإهانته بما يوجب عليه التبعية وإستلطاف المذلة والخنوع , والإذعان للقوى القائمة على تأمين مصالح الآخرين.
وهكذا يتم تحجيم دور الدولة وتعطيل فعالية مؤسساتها , وهيمنة القوى المرتبطة بالطامعين , وتمكينها من النيل من المواطنين , ودفعهم للذهاب بعيدا عن بلاد إليها ينتسبون وفيها يعيشون.
وكلما تخندقت الحكومات في مناطقها الآمنة , وإبتعدت عن الشعب ووضعت الحواجز العالية والمصدات القاسية بينها وبينه , كلما إستحوذت على حقوقه , وجردته من أسباب القوة والقدرة على النماء , وأمعنت بتكريس الجهل والمرض والحرمان من الحاجات , لكي يتسنى لها الحكم والقبض على مصيره بإحكام.
فهل من إستفاقة وإستحضار لقيمة الإنسان؟!!