23 ديسمبر، 2024 3:21 ص

الطائفية والعنصرية!!

الطائفية والعنصرية!!

“ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم”

“لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى” الأعجمي ما هو ليس بعربي.

ترى هل أن الطائفية والعنصرية من طبائع السلوك البشري أم أنهما سلوك نتعلمه منذ صغرنا وننشأ عليه ولا نعرف سلوكا سواه , برغم ما يجلبه علينا من الأوجاع والملمات الإجتماعية الدامية؟

هل الطائفية والعنصرية سلوك يمكن أن نغيّره؟!

علينا أن نسأل أنفسنا ونفكّر جيدا ونستحضر مبادئ ديننا وأخلاقنا وتقاليدنا ونجتهد بالجواب.

ترى كيف يتحول أبناء الدين الواحد إلى طوائف متناحرة وأصحاب الألوان المختلفة إلى أعداء؟

إن الموضوع قد يكون معقدا والجواب عليه فيه صعوبة , لكن البشر يجب أن يحاول ويجتهد في البحث عن الجواب , لكي يزيل غشاوات الجهل والإنفعال والإضطراب في سلوكه وأيام حياته.

يبدو لمن يتأمل التأريخ ومعايير السلوك البشري عبر مراحله الزمنية الطويلة, أن النسبة العظمى من هذا السلوك مكتسبة , أي أن البشر يتعلمها من محيطه الذي يترعرع فيه.

فلا توجد جينات عنصرية أو طائفية , ولا جينات مذهبية وطائفية , بل توجد جينات بشرية تنزع في تأثيراتها إلى تحقيق الإختلافات , التي هي من ضرورات الحياة وتواصل النوع البشري فوق الأرض.

بعض البشر ينزع إلى هذه السلوكيات إعتمادا على إضطرابات في شخصيته , خصوصا أولئك المصابين بإضطراب الشخصية اللاإجتماعية , أو السايكوباثيون الذين ماتت ضمائرهم , وما عاد لديهم رادع لما يفعلون , ولا توجد قوة في داخلهم تحاسبهم عن أعمالهم.

أناس بلا ضمير يؤنبهم ويسائلهم فيعيثوا في الأرض فسادا , وإذا امتلكوا قوة خربوا الأرض وأهانوا العباد لتحقيق حاجاتهم النفسية الدونية.

ففي الكثير من السلوكيات الطائفية والعنصرية هناك نوازع سايكوباثية , وشرَه مطلق للجريمة وسفك الدماء والشعور بالقوة والسيطرة والجبروت.

وبصورة عامة فأن هذه السلوكيات التي يفرزها المجتمع ويصيب بها أعضاءه , إنما هي سلوكيات نكتسبها من الآخرين المصابين بإضطرابات سلوكية خطيرة , وتحولوا إلى رموز لفئة ما أو قوة ما هنا أو هناك.

فالبشر يتعلم بالتقليد وبالملاحظة , وعندما يقوم هؤلاء بهذه السلوكيات ويحصدوا من ورائها ما يقويها , فإن الآخرين يعيدونها ويكررون سلسلة مآسيها وتجليات دماراتها الإفنائية , وتتحقق في داخلهم قوة رافضة للآخر الذي لا يمت إلى الطائفة أو اللون بصلة.

أي أنهم يميلون إلى التصندق والإنغلاق والتوهم بأن ما يقومون به صحيح وعين الحقيقة ولا شائبة عليه , ولا يحق لأحد أن يحاجج فيه لأنه قد تحول إلى وجود مقدس في أعماقهم , مما يتسبب بالمزيد من الويلات والجراحات وسفك الدماء البريئة , ويصابون بداء مثالية السلوك الخبيث.

إنهم يتعلمون هذه السلوكيات من تكرار مشاهدها وتنامي المحفزات المشجعة عليها , وتحولها إلى قيمة إجتماعية ذات مردود معنوي كبير على الفرد والعائلة , شأنها شأن السلوكيات الأخرى التي يشجع عليها مجتمع بشري ما رغم القانون.

إن أمثال هؤلاء يحسبون كل الأواني إناءً واحدا ولا يفكرون بما يحتوي كل إناء , أي أنهم يميلون إلى التعميم القاسي والتطهير المشين , ومن هنا تنشأ الكراهية والحقد والبغضاء وكل معطياتها السلبية التي تعمي البصيرة وتشل الأبصار , وتحول البشر إلى مخلوق عدواني متوحش ومفترس كاسر لأخيه الإنسان.

إنه إضطراب سلوكي خطير يجعل البشر يعامل بعضه البعض بكراهية مسمومة وجهل فضيع , إعتمادا على أفكار شريرة وتطلعات عدوانية هائجة تفور في دنياه , وتعززها خرافات وتصورات وإدّعاءات معدومة البراهين , وإنما هي أفكار قد اختمرت في جهاز البشر المتحكم بغريزة الخوف والبقاء , الذي يدفع إلى التوحش وردود الأفعال الغير متناسبة مع الموقف أو الحالة القائمة , أي إلى سلوك جنوني دموي رهيب , إنه سلوك الخوف من الخوف المقيت.

فالطائفية والعنصرية سلوك مكتسب نتعلمه في البيت والمدرسة والمجتمع , ومن خلال نشاطاتنا الإجتماعية المتنوعة , ويتم إستخدامه بأسلوب سلبي حاقد وبغيض لإيقاع المزيد من الويلات بين الناس , ولتحقيق أغراض سياسية مقيتة.

فنحن نتعلم في هذه الأوساط كيف نكره الآخر وكيف نخاف منه , وقد يتم تعليمنا بعناية فائقة وقصد سيئ دون شعور منا سوى أن ما نتعلمه يعزز فينا الشعور بالإنتماء إلى تلك الفئة أو الجماعة.

وكلما أسرفنا في التخندق في خنادق الطائفية والعنصرية , كلما إزداد خوفنا وكراهيتنا للآخر وصار فعلنا تجاهه فعل تدمير وقتل , لأننا قد زرعنا فينا شعور بالخوف الشديد منه وبالكراهية الحمقاء له.

إن البشر الذي لا يمتلك أحاسيس الطائفية والعنصرية , ويعيش في مجتمعات متوحدة ومتفاعلة يشعر بالقوة والأمن والأمان , ويحقق إبداعا خلاقا ويؤسس لحضارة متطورة يسودها العدل والقانون.
أما الطائفيون العنصريون فأنهم يمضون حياتهم في رعب وتدهور وإنهيارات متلاحقة , وضعف متواصل يؤدي بهم إلى حيث الفناء.

وقد تلعب القوة دورا في هذه السلوكيات , القوة المرتبطة بالرغبة المطلقة في إمتلاكها والخوف الشديد من ضياعها أو فقدها.
ويتم إثارتها بإستثمار مواطن الإختلاف , وكأن البشر خلقوا كفرد واحد بلسان وعقل ولون واحد لا غير.

إن وعي هذا السلوك وإحباط مبررات تعلمه , وإستهجان ما يشير إليه سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع وفي الصحف ووسائل العلام المختلفة , يساهم بعلاج هذا الإضطراب السلوكي الذي لا يجني منه المجتمع إلا الضرر.

فعلينا أن نرفض منطق الطائفية والعنصرية وأن ندينه إدانة شديدة وبقوة ونحذره أشد الحذر.

وعلى الرموز الدينية في أي مجتمع أن تنأى عن المنطق التفريقي التدميري للمجتمع الذي هي فيه.

وعليها أن تشجع على التواصل والتفاعل والتفاهم وتبادل الرؤى ووجهات النظر , لكي تصنع سبيكة إجتماعية قوية ترضي الله وتسعد أبناء المجتمع كافة.

إن الذات عليها أن تستيقظ , والعقل أن ينفتح , والجميع أن يرفع شعار كلنا أبناء وطن واحد , وعلينا أن نساهم في بنائه وتحقيق السعادة لنا وللأجيال من بعدنا , وأن نرفض الثقافات العنصرية والطائفية.

فأبناء الدين الواحد أخوة , وكالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد بالسهر والحمى.

وأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق وأن نكون عباد الله إخوانا.

“أيها الناس إنما المؤمنون أخوة…”

“أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم…”

“أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم…”

إن إختلاف البشر آية من آيات الخلق وإعجاز الصيرورة والوجود.
فجيناتنا متشابه وأمراضنا متشابهة وألواننا مختلفة ولغاتنا كذلك , لكننا نعمل بقلب واحد نحو هدف واحد ولنا قبلة واحدة وإله واحد ونبي واحد.

فلماذا ننسى كل هذا وذاك ونتصاغر في خنادق الطائفية المهينة؟

نعم إن هذه السلوكيات مكتسبة نتعلمها وعلينا أن نرفض ما يُشجعها ويُعلمها في أي مكان من المجتمع.
وعلى القيادات السياسية والدينية والإجتماعية أن تمنع التعامل بمفرداتها وتمقتها وبقوة , لأنها تمثل الخسارة والفساد والدمار والثبور والضياع للجميع.

فهل لنا أن نمارس إنسانيتنا؟!!