22 نوفمبر، 2024 4:52 م
Search
Close this search box.

الضّيفُ اللّزِج

غادرَ زميلي وضّيفي – وهو زميلٌ ثّقيلُ ولزجٌ ويشبهُ عنصراً كيميائياً معلوماً- بعدَ أحتسائِهِ لفنجانٍ من قهوةٍ مرّةٍ كمرارةِ كلماتهِ ذي الصَخَب, غادرَ بعد تَفَكُّهِهِ بي ثم بأطباقٍ من حَلوى ومن رُطبٍ, وهناكَ تينٌ و عرموطٌ وعنب, وقد سألتُهُ -قبلَ المغادرة- مسألةً بِتَرَجٍّ ونَدب, بأن يجعلَ من أرضِ الأطباقِ صحراءَ جَدب, لا فاكهةَ تزهو ولا حلوىً تصهو, ولا حتى الرُطَب؟
قَهقَهَ وسألني بدهاءٍ وخُبثٍ منقوعٍ بعجبٍ ! عمّا أبتغيه من وراء ذلكَ وعن لُبِّ السبب؟ أجبتُهُ بهدوءٍ نَسَفَ ما أبداهُ من عجب :
لا شيء -ياصاحبي- يثيرُ في الطلبِ العجبَ؟ وإنما الأمر : كي أحبِطَ هجومَ أولادي على الأطباقِ ما إن تَغادرَنا وما جَلبتَ معكَ من ضَحِكاتٍ جَلَب.
ضَحِكَ وتَعذّرَ بما فيهِ من داءٍ مزمنٍ وعطب, داءُ “سكريٍّ” متوارثٌ عبر الحقب, وأنّهُ يَخشى إرتفاعَ نسبتِهِ في دمّهِ بِتهوِّرٍ منهُ مُرتَكب.
لم أشأ أن أحرِجَهُ, وكنتُ منشرحَ الصدرِ ثابِتَ الرُكب, لإنّ ضيفيَ الثقيل ورغمَ “السُّكريّ” قد غزا مضاربَ الأطباقِ بغزواتٍ تبب, فجعلَهُم صفصفاً لاحلوىً هناكَ ولا فاكهة إلّا موزةً بربعِ ذنب, صفراءَ تلعقُ جراحَها و تأنُّ بحروفِ عزاءٍ وبلوعةٍ وتَعَب, تستصرخُ بتأفّفٍ وتأوّهٍ وشجب , حبَّةَ عنبٍ في حضنِها, أو هكذا كانوا قبلَ الغزوِ ينادونَ الحبّةَ بهذا اللقب..
وَدَعّتُ زميلي بكلماتِ ثناءِ على سنا زيارتهِ (الذهب) , وسؤالهِ عنّي, وما علِمَ أنَّهُ قطَّعَ شراييني وما أبقى لي من شُعيرةٍ من عَصب. ثمَّ ..
أنتهَت حربُ الأطباقِ بين أولادي بسلامٍ رَكَنَ فإستَكَنَّ فإستتب.ثمَّ..
كَرَرتُ راجعاً الى حُجرتي لأستريحَ من ذاكَ العطب, وأستميحَ أطفالي في دقائقَ صمتٍ للحظاتِ حِدادٍ مُرتَقب, فأستزيحَ بهِ من وَجدِي ماعَلِقَ من هراءِ ضّيفٍ ثقيلٍ لزجٍ غضب.
أمتثلَ الأولادُ لرجائي ودخلتُ هُنيهةً بِرَغَب, في صمتٍ بهيجٍ, ف”بالصمتِ وحده كلُّ فؤادٍ يُستَطَب”, وفجأةً وإذ..
بصَرِ ريحٍ عاصفٍ أفزَعَني عندَ البابِ قد وَقَب!
كانَ العصفُ عصفَ”زوجي”المَصون ذي النسبِ, صَرَّحَتْ بعنفوانٍ مُصطنعٍ وشبهِ عَتَب :
– قد سَمِعتُ قَهقَهاتِكَ وضيفِكَ وعَلِمتُ السبب, لِمَ أفشَيتَ سِرَّ هجومِ أولادِنا على أطباقِ العرموطِ والعنبِ؟ وقد تعلَمُ أنَّ أبناءنا يَعرِشونَ في بؤبؤِ الفضائلِ والأدب؟
تَبَسَّمتُ لكنّي ما تَلَعثَمتُ في ردِّ حازمٍ وَجَب, فأنا الليث في العرينِ وماهي إلّا لبوةٍ ثرثارٍ بشَغَب:
– ويحَكِ يا إمرأة! ياعارضاً ممطراً من قِطَعٍةٍ من تنطعٍ وتكلّفٍ وزيفٍ صَبب! وياويحي أنا, وقد خَرَجتُ من هراءٍ أهوجٍ من ضيفٍ نَطَّ وذَهَب, فَعَرَجتُ في مراءٍ أعوجٍ من زّيفٍ حَطَّ وَوَثَب؟
أوَما عَلمتِ -يانجمةَ صبحي الحنون- أنّ هجومَهم ما كانَ يوماً نزاعٌ لأجلِ حبّاتِ عنبٍ في عنقودٍ, بل هو صراعٌ أزليٌّ لإثباتِ شقاوةٍ و وجودٍ, صراعٌ ماسَلِمَ ولن يسلمَ منهُ والدٌ ولا مولودٌ, ولا حتى ضيفُنا ولو زَقَّ أولادَهُ كلَّ نُصحٍ بجهود, ماسَلمَ منهُ مَن نعرفُ ومَن لانعرفُ, وكُلٌّ مُتَقَهقِرٌ أمامَ صبيَتِهِ فلا ينفعُ لوماً ولا يدفعُ صُمود,. كذلكَ ومن يقرأُ سطورَنا تَرينَهُ – يارَجمةَ ظُهري المصون- الآنَ مُتَبَسِّماً, و مؤيّداً لي ومُحمَرَّ الخدودِ, ذاكَ أنَّ الصبيةَ – يا هَجمةَ عصرِي المكنون- في طَورِ نشأتِهم هم أقربُ منهم للقرود, يَتَنَطَطُونَ شذراً لاتُقيّدُهم حدودٌ, ويَقصفون مذراً لاتُحيّدُهم قيود, يُدَمِّرونَ كلَّ هدفٍ أمامَ أنظارِهم وحُشود: أجهزةً, دُمىً, ملبساً, نساتلَ, وبِطيخاً أحمرَ غيرِ مُحصنٍ بحراسةٍ وجنود. هي فيهمُ فطرةٌ ورغبةٌ جامحةٌ كَرَغبَتي أنا في طلاقٍ منكِ مؤبدٍ غير مردود, فَأفِرُّ الى الجبالِ آملاً هنالكا في نقاهةٍ و ركود, من حُرقةٍ وغُمَّةٍ قضيتُها معكِ لعُقود, أو رغبةٍ دونَ ذلكَ مكنونة :
” أن أقَصِفَ بيديَّ إخوان القردة يهود” .
خُذي عنّي ياعجمةَ ليلٍ مجنون :
[لو أنّ طفلاً مَلَكَ الأرضِ وما عليها, ما كانَ لِيَجنَحَ لِسَلَمٍ مع الأطباقِ ويَذَرَ هجومَ الأسودِ].
مَدِّدُوا أمدَ الصمتِ يا أولادي الورود, فأجعلُوهُ شهراً وتوقعوا مزيداً من مدود, فإنَّ هراءَ ضّيفٍ لزجٍ لَدودٍ , أهونُ وأخفُ وِطئاً من مِراءِ زوجٍ كَنود.
(الصورة لأصغر الاطفال, لأنها خرجت من المعركة بلا غنيمة وإن تكُ حبةٌ من رطب).

أحدث المقالات