22 نوفمبر، 2024 11:27 م
Search
Close this search box.

الضديد الأخوي : (قصة حلم) للروائية : سناء أبو شرار

الضديد الأخوي : (قصة حلم) للروائية : سناء أبو شرار

(*)
تحاول قراءتي اقتطاف حيزا من الفضاء الروائي : للمقارنة بين الشقيقتين : سلمى ونجلاء..
(*)
تبدأ الرواية بالهدوء وتنتهي بالسكون، هدوء السعادات المنسجمة في عائلة مؤتلفة، تعيش مطمئنة في منظومة وعي جمعي . ثم فجأة يفترس الخارج هدوء الداخل : المرة الأولى يكون الإفتراس مسلفنا مع سلمى التي (زوجها يهملها وبالكاد يتحدث إليها، يسهر كثيرا ويشرب الخمر/ 10) وبسب غربة سلمى في أمريكا ستعالج أهمال زوجها بتعاطيها المخدرات، ثم اقتحامها للعمل في التجارة، لكن الإفتراس الثاني، يكون أقسى حين يقرر/ يباغت: الأبن الوحيد للعائلة بمغادره الوطن إلى باريس والزواج من صديقته الحامل منه قبل الزواج، فيسقط الأب ميتا ..
وهكذا مثلما فقدت الأم زوجها، فقدت أبنها مراد (أسمعي موت والدك لم يؤلمني كما ألمني ما فعله، مراد، لقد مات والدك لشدة الصدمة ثم الحزن ..)..هنا الدليل الملموس أن قوة الخارج أخترقت الداخل وفتت مركزيته : بشهادة الأم التي تصارح أبنتها: (لم أكن أتصور يا نجلاء أن يحصل كل هذا وبهذه السرعة، لقد كنت دائمة منظمة وأخطط لكل شيء،كنت أعتقد بأنني أسيطر على الأمور كلها../25) ترى قراءتي المنتجة أن الأختراق سببه الحكومات العربية التي أذاقت الشعوب العربية أبشع أساليب الذل، وسيلاقي الفارون من جحيم الحكومات ذل المنافي حتى يجدوا حيزا يكون مأوى (أمي الحبيبة، الفرنسيون يكرهون العرب، يحتقروهم خصوصا أولئك القادمين من المغرب العربي../57) وكعمالة يدفعون لهم أجورا زهيدة لهذه الأسباب وأهمها هو استغناء زوجته جاكلين عنه وحرمانه من التواصل مع ابنته سينتحر مراد .
(*)
نسيج الشكل الروائي، يتجاور مع المذكرات، فالمحطات لا تحدد جغرافية المكان بالتسمية ولا تعلن عن زمن الأحداث، لكن رسالة مراد لأمه، حول كراهية الفرنسيين تشير إلى المغرب العربي، عموما وليس مكانا معينا، وحين يرد ذكر مفردة نقال على لسان نجلاء وهي تعدد مشترياتها في حياتها الجديدة بعد الحرية، لما عرفنا الزمن الروائي، وهذا التحديد : عائم وعام، غير مرتهن بحقبة محددة المعالم، وتراتبية المحطات تشعر القارىء والمؤلفة بالرتابة، فتحاول التخلص من رتابته، من خلال القفزات عبر الزمن، وكذلك من خلال توظيف رسائل مراد اللامقروءة/ المتراكمة في الحديقة بعد سفر الأم إلى ابنتها سلمى في أمريكا .
(*)
الشخصية المحورية هي نجلاء، وكلما تقدمت نجلاء خطوة ً في الفضاء الروائي،تراجعت بقية الشخوص حتى تشبّحت في ذاكرة نجلاء وحدها، وتعلو قيمة نجلاء بالمقارنة مع شقيقتها سلمى، التي لا تفكر خارج ذاتها، سلمى رسمت حلمها سلما ذهبيا، لتنوش سعاداتها في الوطن البديل ولا أقول المنفى، فالأثرياء العرب لايستحقون صلبان المنافي،وحدهم المهجرّون فردى أو عوائل، الذين لم يحصلوا في المنافي سوى المخيمات يستحقون تسمية المنفيين . سلمى طواعية أمركة حياتها في الولايات المتحدة.. تقول الساردة العليمة والمتحكمة المطلقة في السرد ،سلمى ليس لديها قلب، هي محض عقل نفعي تستعمل الآخرين حسب حاجتها لهم، لكن قراءتي تختلف عن قول الساردة (وجدت سلامها الداخلي قبل رحيلها) كما أن سلمى لم تعد إلى ذاتها، بل هي يقظة متأخرة سببها صحوة موت، فهي لم تجد الحب (حين عادت إلى ذاتها) ترى قراءتي أن سلمى شخصية نمطية متوفرة في مجتمعنا وقد قامت الروائية بتصنيعها بمهارة، شخصية لا تحلم بغير رفاهيتها هي، ليس فيها حنان الأمومة، كما أنها تجردت من دفء الأخوة بعد زواجها ..
(*)
ما الفرق بين الأختين ؟ تقول نجلاء عن أختها سلمى (لقد بحثت عن الحب في حياتها/121)..وهنا كقارىء أختلف مع تشخيص نجلاء لشقيقتها سلمى .. قراءتي الثانية للرواية تجعلني أقول أن سلمى لم تبحث إلاّ تحقيق ذاتها عبر المال الذي تطوقه برفاهيتها هي فقط، فهي لم تنصف شقيقتها سلمى حين زارتها في السجن، بل هي زيارة خاصة تتعلق بالميراث.. ليس هذا فقط أن أنانية سلمى جردتها من أمومتها – على ذمة الساردة نجلاء – فنحن القراء لم نعرف سلمى من خلال سلمى سرديا، بل اكتشفناها مبأرة ً من وجهة نظر نجلاء، ونجلاء ترى سلمى منشغلة بشبقها فقط ومن أجله (عاشت وتعيش حالة الخوف من فقد الحب، حتى إنها مستعدة لفقد ولديها مقابل حب ذلك الرجل ../87) وحتى لا تفقد الثراء الذكوري فهي تتزوج ثلاث مرات . وسلمى لا تكترث بولديها وتنماز بعين حاسدة حتى مع أقرب الناس فهي تخبر صديقة لها عبر الهاتف من دون أن تدري أن نجلاء عادت من نزهتها إلى (أشعر بالغيرة منها،إنها سعيدة بزواجها، زوجها رائع،حتى أنها أصبحت أجمل مني بعد أن كنت أجمل منها،أحبها كثيرا،فهي أختي وصديقتي، ولكن سعادتها جعلتني أشعر كم أنا تعيسة، تعيسة لدرجة الموت../19) ..الحالة الحاقدة/ الحاسدة التي (تتحلى) بها سلمى لا تحسن نجلاء تفكيكها، خصوصا بعد الكلام بين الأختين عن رسائل أخيهما مراد وموته في باريس .. سنجد التفكيك الأجمل لدى الجارة أم محمود صديقة والدتهما (لا تغضبي، هناك بشر لايحبون رؤية تعاسة الآخرين، ولا أن يعرفوا عنها، ربما يعتقدون بأنها معدية مثل فيروس ما، وهناك بشر يشعرون سعادة الآخرين عذاب لهم،ولقد كانت سعادتك مع زوجك عذابا لها لشدة تعاستها مع زوجها../73).. أما نجلاء فهي تبحث في جهة مغايرة جهة وسيعة وثرة وبشهادتها(أنا أبحث عن معنى الحياة.. بحثي فتح أمامي كل الأبواب المغلقة)..وهي تعزو سبب الاختلاف إلى بداياتها (طفولتي مع أخي وأولاد الجيران شكلت شخصيتي بطريقة غريبة بالنسبة للبنات بمثل سني/9) وتكرر ذلك في نهاية الرواية :(بسبب طفولتي التي قضيتها بين أولاد الجيران) هذا الاختلاط المبكّر، صاغها مثنويا (عقل رجل أحياناً وعقل امرأة أحيانا أخرى/ 121)
(*)
نلاحظ بداية المطبوع الروائي (قصة حلم) هو خارج الحدث الروائي، ويمكن للقراءة العادية أن تتجاوز الصفحات الثلاث الأولى وتدخل (المحطة الأولى) وهذا العنوان هو الفصل الأول في الرواية، والصفحات الثلاث الأولى هي بمثابة خلاصة الخلاصة التجريدية للسيرة الذاتية لشخصية نسوية اسمها نجلاء. ..لكن القراءة النوعية ستطيل مكوثها في الصفحات الثلاث من المطبوع، ويمكن تجنيس هذه الصفحات : مقدمة روائية للرواية .في هذه المقدمة نلاحظ التالي :
في عنونة الرواية ثمة شيء مخبوء تشير إليه النقاط الثلاث (قصة حلم…) وحين ينتهي القارىء أي قارىء سيضيف للعنونة اسم نجلاء فيكون العنوان : قصة حلم نجلاء.
ومع السطر الاول سنكون مع حتم / جبر : لامناص منه، يتشخصن ذلك بتكرار مفردة (لابد) وهكذا ينتفي الأختيار أمام جبروت الجبر وسنرقم الاحالات التكرارية :
*أحيانا لابد أن تنسى لأجل أن تحيا
*أحيانا لابد أن تتذكر لأجل أن تحيا
*ولكنك دائما وأبدا لابد أن تحيا
*ولكي تحيا لابد أن تواجه كل المعارك
ثم ينتقل خطاب الأنثى الساردة من جهوية الآخر إلى جهوية الذات المتكلمة
*وأنا كان لابد أن أتذكر كي أحيا
*كان لابد أن أعد الليالي والأيام والشهوروالسنوات
*كان لابد أن ألاحق حلما بعيدا كبعد النجوم عن الأرض
*كان لابد أن ألمس النجوم بخيالي وأحلق في الفضاء بروحي.
من خلال هذه المقبوسات أرى حياة ً تصنع بالقوة وليس بتلقائية الفعل، وأرى الجبر الإنساني يحل عوضا جبر ٍ سواه . ومشروطية تحقيق الحلم مرتهنة بالتقوقع، ربما صيانة لشحنات الحلم الموجبة / الحلم المنقذ من كل الشرور(حلم أنقذني من الضياع والتلاشي في أيام وساعات عمري.أغلقت نفسي في قوقعة حلمي كي أحتمل الحياة /2) كتابة الحلم لم تكن أثناء الحلم، بل بعد انجاز الحلم في اليقظة، وليس فقط أثناء اليقظة ،بل أثناء (أستراحة المحارب بعد سنوات من حياة مليئة بالأعباء والمسؤوليات ) ويكون الاشتغال ضمن أستراحة المحارب بتوقيت معين يتزامن مع السارد الأكبر ألا وهو الليل : منصة الألم والذكرى والمسرات (حين يحل الليل تبدأ ذكريات الغزيرة بالحضور..) وأثناء قراءتي ساءلت الرواية: هل هي قصة حلم حقا ؟ أم هي حكاية؟ فالرواية تشتمل على عنوانات والعنوانات تحتوي ثابت ومتغير: الثابت : مفردة محطة. والمتغير رقم المحطة ولنستمع للساردة نجلاء (لماذا أكتب الآن عن رحلتي هذه، ولا أسميها حياتي) الساردة تسأل ولا تضع علامة استفهام (؟) ثم تجيب على سؤالها بقولها(لأن الحياة الحقيقية هي ما بعد هذه الحياة) والسؤال إذا لم تكن الحياة هنا، لماذا أغلقت نفسها في قوقعة حلمها؟ لماذا هذا الاصرار في الكفاح ضد الظلم والأصرار على النجاح الأكاديمي وصولا لحيازة أعلى الشهادة الأكاديمية ؟ هذه الأسئلة تنبجس من تكرار قراءة الرواية. والرواية تمنحنا درسا في الإصرار لتطوير الحياة من خلال التصدي للقبح والشرور والظلم وتجاوز الألم والتشارك مع الآخرين الذين بهم نكتمل . وهكذا تكون كتابة الحياة الخاصة، هي التصدي الخطي / المسطور ضد النسيان (ربما أكتب كي لا أتلاشى من وجود سوف أغادره قريبا ويتبقى مني كلمات أريد أن تبقى رغم موتي،أجل فأنا رغم أدراكي وإيماني بفناء الحياة،إلا أنني أريد أن يبقى شيء ما مني هنا../3)
(*)
نلاحظ أن هاني أكثر تعلقا بأمه الثانية / خالته.. مقارنة بشقيقته كلارا، هاني الذي نبش في المرة الأولى وعرف َ أن خالته سجينة بتهمة قتل زوجها،وهي بريئة من التهمة، وبعد قرابة عقدين من السجن ستتأكد السلطات من براءتها…
هاني سنرى في اليوم الثاني من وفاتها، يقوده حزنه إلى تواصل روحي مع أمه الوجدانية نجلاء.. سيجمع أوراق الرواية هاني ويكتب الفصل الأخير من الرواية: من ص123- 124 هذا الفصل هو أجمل مقدمة لرواية (قصة حلم) للروائية الدكتورة سناء أبو شرّار
—————————————————————————–
*سناء أبوشرار/ قصة حلم…/ دار المعارف المصرية للنشر والتوزيع/ القاهرة / 2019

أحدث المقالات