18 ديسمبر، 2024 8:35 م

يعود السيّاح من أماكن مختلفة وهم يحملون معهم تصوراً عن هذه الدولة أو تلك.. شكلها الخارجي، ونظام حياتها وادارتها، والأكثر أهمية تقييم واقع وطبيعة شعبها.. الخ

ولكن قطعاً لا تمثل تلك التصورات إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة، فالعيش لأيام بل وحتى لشهور داخل دولة ما لا يمنح صاحبها فهماً كاملاً عن حياتها ولا سيما ان كان السائح متأثر بالحملات الاعلامية التي تظهر الحياة بصورة زاهية وردية، او مقتصراً ـ طلباً للراحة والمتعة وربما الأمان بالمقام الأول ـ على المناطق الفارهة وذات مستويات المعيشة المتقدمة أو السياحية التي تحرص الدول على تقديمها للمتلقي بأحسن صورة وحال.

ولعل هذا يدفعني للقول ان كتب الرحلات ــ قديماً وحديثاً ــ على اختلافها، كان تعكس وجهة نظر شخصية، وبناء نفسي معين، وايمان بمعتقدات شتى انعكست على تلك المدونات.. فضلاً عن طبيعة العصر والوقت الذي كتبت فيه.

وظهر ذلك بجلاء في نماذج عدة، ومنها رحلة تراثية قديمة شنّع فيها مؤلفها بالقول على شعب معين، فلما دقق المحققون في حقيقة ذلك القول، وجدوا ان الرحالة المشار إليه لم يُستقبل بالحفاوة التي كان يتوقعها!!، وهو ما جعله يتخذ ذلك المنحى في الوصف والذي كان ظالماً لذلك الشعب المسكين، وانعكس في توسيع دائرته على يد بقية الدارسين!!

وهكذا يمكن القول ان غالبية الصور المتكونة عبر الرحلات القصيرة او الضخ الإعلامي الممنهج يغاير حقيقة الواقع او على الأٌقل لا يمثل كافة أبعادها، فمن يقع تحت تأثير ذلك سيفوته الجانب الآخر والذي لن تراه إلا في الأحياء الفقيرة المنزوية بعيداً عن أضواء الكاميرات، إذ الخدمات في اسوأ حالها والظلم والظلام يعمّان المكان.

أما تقييم الشعوب بين صالح وطالح، وبائس ومتفائل، فلن يكون عبر نماذج فردية محدودة، وإنما من خلال التعايش التام مع فئة واسعة وأماكن متعددة ومختلفة، وباستكمال كل تلك الأجزاء يكون التقييم مقبولاً والرأي صالحاً للتداول والاعتماد.