22 ديسمبر، 2024 7:03 م

الصورة المُنتظرة لعراق ما بعد داعش

الصورة المُنتظرة لعراق ما بعد داعش

يصعُب كثيراً التنبؤ أو التكهن بما ستؤول أليه الأمور في العراق بعد القضاء على تنظيم داعش ، وهذه الصعوبة متأتية من حجم التدهور والإنحدار الإجتماعي والثقافي والإقتصادي الذي أصاب العراق فضلاً عن سوء الوضع الأمني والفوضى السياسية التي نعيشها منذ ثلاث عشرة سنة خلت من عمر هذا الشعب المُرهق ، بالإضافة الى التحديات الإقليمية والعامل الدولي ، أدت هذه الأسباب مجتمعةً الى خلق عقبات كبيرة أمام نمط التفكير الطبيعي حول مستقبل العراق بعد داعش . فأجد من الصعوبة إستقراء المستقبل للمرحلة المقبلة في ظل وجود التحديات الخطيرة التي أسلفتها ، لكني أحاول جاهدا ً أن أرسم صورا ً محتملة الحدوث وأكثر قبولاً للعقل والمنطق التحليلي معتمداً على عوامل عدة ، منها :

1- ما يتعلق بالجانب الإجتماعي للشعب العراقي ، فقد أثبتت لنا التجارب والأحداث التي عصفت بالعراق في الخمسين سنة الأخيرة ، بأننا إزاء شعب عاجز لا يمتلك الإرادة الحية على صُنع التغيير ، فاقداً لأبسط مقومات الإنتماء والولاء للوطن ، ألبسته الظروف العصيبة التي مرت به رداء الذل والخنوع ، حتى أصبح هذا الرداء لصيقا ً بجسده ، لا يقوى على خلعه بالرغم من نتانته و نجاسته وتراكم الدرن عليه ، شعب لا يمتلك صوتاً عالياً قادراً على أن يعزف سمفونية العيش بكرامة . فالشعب الذي يعطي صوته في كل دورة إنتخابية للصوص والفاسدين والمحتالين والخونة هو ليس شعبا ً ضحية ، بل هو شعب متواطئ مع هؤلاء ، وليس جديرا ً بالعيش حتى وفق أدنى درجات الكرامة الإنسانية للأسف.

2- ما يتعلق بالجانب الديني والمذهبي ( وهنا يرقد الشيطان ) إذ إن هذا الجانب يمثل مكمن الخطر الحقيقي الذي دفعنا أغلى الأثمان بسببه دماء بريئة من هذا الطرف أو ذاك ، خسرنا نوعا ً إجتماعيا ً كان يمثل ملح العراق وهويته الأصلية الممتدة عبر ألاف السنين من المسيحيين ومن ثم تلاها النكبة التي تعرضت لها باقي

الأنواع الإجتماعية كالإيزيديون والتركمان والشبك على يد عصابات الظلام والتضليل الإرهابية . فبسبب هيمنة و بروز العامل الديني الذي كان محبوساً ومقيدا ً بسلاسل الدكتاتورية وأغلالها المتينة خسرنا أغلى ما نملك فوق تراب هذا الوطن ألا وهو وحدة التنوع الاجتماعي ومتانة أواصر التعايش السلمي بين جميع مكوناته على كل إختلافاتها الدينية والمذهبية والعرقية ، حتى بات المجتمع العراقي شظايا متناثرة من لوحة جميلة كان إطار الدكتاتورية هو العامل الإساس في توحيدها ورصها جنبا ً الى جنب مع بعضها البعض بأبهى منظر. إذن نحن أمام حقيقة مُرة للغاية علينا أن نعترف بها ونتعامل وفق معطياتها ، وهي إن مجتمع الأمس لم يعُد له وجود مُطلقاً إلا في ذاكرة محبيه وعشاقه ممن يتصفون بالعقل والإنتماء الحقيقي للوطن لا تهمُهم كل الهوَيات والمُسميات والعناوين الفرعية ، همَهُم الأول هو الحفاظ على الهَوية الوطنية العراقية والتمسك بها . أما اليوم فنحن أمام شعوبا ً مشتتة الميول والإتجاهات حتى أصبح لدينا شعبا شيعيا وأخر سنيا وكرديا ثم تركمانيا ومسيحيا ووووو … والقائمة تطول لتصل ربما الى شعوبا أخرى أقل درجة مما ذكرت ضمن النوع المذهبي أو العرقي الواحد لتصل ربما الى الشعب الصدري العراقي وشعب الحكيم العراقي والشعب الدعوجي العراقي والشعب النجيفي العراقي والشعب الإخونجي العراقي والشعب الطالباني الكردي والشعب البارزاني الكردي ، وأيضاً وووووو…حيث لا نعلم الى أي حد سيتوقف نمو وتكاثر الزعامات العراقية التي تشترك كلها بهدف واحد إلا وهو البحث عن قطيع لتقوده . لذا وبسبب تنامي ظاهرة الإسلام السياسي بشقيه (الشيعي والسني) ترسخت الطائفية على المستويين السياسي والإجتماعي وبقوة لن يستطيع أحد مواجهتها .

3- التحديات الإقليمية والدولية : وهذا العامل لا يقل خطورة في أبعاده المستقبلية على الوضع العراقي ، فلا يخفى على أحد قط حجم التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي وخصوصا في الجوانب السياسية والأمنية ، ففي ظل وجود أحزاب متنفذة تمُسك بزمام السلطة وتملك بيدها قوة المال والنفوذ ، ولا تملك في أجندتها الحزبية أدنى معايير الولاء الوطني للعراق ، سوف لن تكون هناك أجندة وطنية فاعلة ومؤثرة في المجتمع قادرة على أن تسير بركب الوطن الى بر الأمان ، مما يعني

ضياع العراق أرضا وشعبا وتأريخا ، فضلا ً عن غياب تام لأية رؤية دولية إزاء الوضع المتهالك في العراق ، الأمر الذي قاد كل الأصوات الوطنية الى أن تفقد الثقة تماما بالسياسة الغربية وإن التعويل عليها قد أصبح ضرباً من الجنون.

وبعد كل ماتقدم يتضح لنا أن هناك عقبات كبيرة تقف بوجه أي مشروع وطني ممكن أن يولد من رحم هذه المعاناة فالكل متفق على ذبح الوطن والكل متفق على الفساد والكل متفق على ترسيخ الطائفية وإن العملية الإنتخابية وصندوق الإقتراع أضحت نكتة سخيفة لا يمكن لها ان تنطلي على أصحاب العقول الرشيدة بفضل جود المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية التي شوهت معالم الدولة وجعلت من مؤسساتها مجرد كيانات مسخة ، تأتي في طليعتها (مفوضية الإنتخابات أللا مستقلة ) سيئة الصيت. إذن وضمن هذه الأجواء المُعتمة والمُخيفة أعتقد أن الأمور ستؤول في مرحلة ما بعد داعش الى :

1- هيمنة شيعية (مُسلحة) كاملة بفضل تنامي نفوذ وقوة المليشيات التي تصدت لعصابات الدولة الإسلامية تحت يافطة الحشد الشعبي ، وهذه الهيمنة سوف لن تروق للكثير من الأطراف المحلية والإقليمية ، مما سيقود الى إثارة فتنة طائفية جديدة ربما تتحول الى صراع مذهبي يُحرق الأخضر واليابس وبدعم إقليمي مكشوف لطرفي الصراع .

2- ضعف واضح لأية حكومة مُرتقبة حتى وإن كانت كابينتها مؤلفة بالكامل من مستقلين تكنوقراط ، وهذا الضعف ناجم عن شدة الضغوط التي ستتعرض لها الحكومة من الأطراف الشيعية المسلحة التي سوف لن تنفك أبداً في المطالبة بإستحقاقات النصر على داعش والذي سيُحسب لها حتما ً في ظل وجود إصرار مُتعمد من قبل الكثير من الكتل السياسية المُتنفذة على الإستمرار ببقاء المؤسسة العسكرية والأمنية هزيلة وضعيفة لتكون كفة المليشيات المسلحة هي الأرجح والأقوى وضمان بقاء قوى الإسلام السياسي بمثابة رأس الرمح في العملية السياسية .

3- مما لا شك فيه من إننا سنكون بقبالة صراع ديموغرافي سيبرز كواجهة تعكس مخاطر واسعة تهدد البلاد في إستمرارها ككيان متماسك وهذا ليس بخافٍ على أحد فلطالما أشار الساسة الكرد بأن عراق ماقبل داعش سوف لن يعود كما كان عليه ( والمغزى هنا هو المناطق المتنازع عليها والتي فرضت قوات البيشمركة سيطرتها عليها) ومن أمثلة ذلك قضاء سنجار التابع لمدينة الموصل والذي تسيطر عليه الآن قوات البيشمركة ، فضلاً عن مناطق أخرى تقع في محافظة ديالى متآخمة مع حدود الإقليم الكردي.

4- مستقبل المناطق السُنية في مرحلة ما بعد داعش في ظل ضياع كامل لإتجاه البوصلة السُنية وعدم وجود قيادة أو مرجعية موحدة متفق عليها ، وهذه المسألة تمثل إشكالية كبيرة تقود الى تساؤل مفاده ماهو مستفبل المناطق السنية بعد داعش في وقت لم تفلح الحكومة العراقية في كسب جميع السُنة الى صفها في الحرب ضد داعش ؟ وحتى مشروع الإقليم السني فيما لو تم الركون أليه فأنه يتطلب تجاوز عقبات عدة من بينها التنافس الحاد بين القوى السُنية المؤثرة على زعامة هذا الإقليم والعقبة الأخرى هي جُغرَافية هذا الإفليم وحدوده ، آخذين بنظر الإعتبار العامل الٌقبلي وتأثيره السلبي على إستفرار الإقليم المولود ، فالكل يبحث عن زعامة وينتظر كرسي السلطة وستتسابق العشائر المتنفذة في المناطق الغربية للفوز بهذه الزعامة لدرجة ربما تصل الى إنقسامات خطيرة ربما تقود الى صراعا ً سُنياً – سُنياً في تلك المناطق.

في النهايه وعلى ضوء مأسلفت فأن الخلاص من داعش لا يمثل نهاية حاسمة لعذابات العراقيين خصوصا وإن هناك تحدٍ علينا أن نطرحه بقوة وفي كل مناسبة ألا وهو العامل الإقتصادي المتمثل بإنهيار أسعار النفط العالمية وإعتماد الحكومة العراقية بالكامل على الموارد النفطية مما سيشكل ضغطا ً هائلاً يضع العراق على شفا الهاوية ، مع أملنا الشديد في أن يكون المطبخ الغربي قد إستنفذ كل طبخاته القذرة التي أذاقها للعراقيين أبتداءاً من طبخة المقاومة الشريفة ثم طبخة القاعدة مع دعاء خالص بأن تكون الطبخة الداعشية هي أخر ما نتذوقه من طعام المطبخ.

الغربي وان لا تكون هناك طبخات مهيئة لنا كطبخة زومبي أو طبخة دراكيولا ولربما آكلة لحوم البشر .