19 ديسمبر، 2024 12:12 ص

الصديق المدثر بالنسيان!!

الصديق المدثر بالنسيان!!

صديقي في ثمانيات القرن العشرين , كان من الأذكياء المتنبئين بما سيحصل في العالم , والحرب العراقية الإيرانية مستعرة , وكان يقول لي دائما: أن العالم تديره قوى خفية , ويبدأ بوصف قادتها وكيف يظهرون بلحاهم الطويلة وما على رؤوسهم من قبعات متنوعة بأشكالها.

صديقي إلتقيته بعد غياب لأكثر من عقد ونصف , فوجدته في غاية الزهد والإنقطاع عن العالم المعاصر.

قلت: كيف الحال؟

– كما تراني

وأضاف , لا أريد التعامل مع معطيات هذا الزمان.

ماذا تقصد
– لا أستخدم الهاتف النقال , ولا أتابع الأخبار , الحياة أكذوبة وهرولة وراء المصالح والتضليل قائد مستبد
– يا عزيزي علينا أن نكون في زماننا
-لا أريد زمانا مغشوشا , وسأبقى محافظا على ثوابتي الأخلاقية وقيمي
– كل شيئ يتغير يا صديقي
إذا أصيب القوم في أخلاقهم…فأقم عليهم مأتما وعويلا!!
إحترت في أمره , وما عدت أشعر بأني أعرفه , فالزمن قد وضع حواجز كبيرة بيننا , وقد إرتهن بماضيه , ويأبى التفاعل مع عصره.
وعندما أستحضر أيامنا الخوالي , ينطلق بكلامه , ويحدثني عن ليالي السمر الثرية بالأفكار والنقاشات العميقة , التي كنا نحلل بها الأوضاع ومآلاتها الجسيمة.
– كل ما كنا نتحدث عنه قد حصل!!
– لا يسمعنا أحد , فالكل تدري وتعرف , ونحن الجهلاء
– الكراسي عالمة والشعوب مغيبة الوعي والضعفاء على دين الأقوياء
– لنترك أيامنا الخوالي , وحدثني عن أيامك
– أعيش في عزلة عن كل شيئ , فالحياة ما عادت ذات قيمة , والبشر أرقام جاهزة للمحو
– أصبحت حالة أخرى يا صديقي
– هكذا علمتني الحياة , بعد أن سقطت جميع الأقنعة!!
ودعته متحيرا والألم يعتصرني , فنحن من الجيل المغضوب عليه بالحروب , والحرمان من بواعث الحياة والأمل