اخيراً نطقها حفيد ال الصدر ، فخرجت من فمه مدوية بلوعة ومرارة ، حتى انها اخترقت جدار الصمت الذي لازم الكثيرين ممن اذتهم حاجة الكلام وهم بصمتهم خجلين .بات من الصعب جدا ان يتنازل المرء عن القيم والمبادئالتي تعلمها وتربى عليها منذ نعومة اضفاره ،وورثها جيل بعد جيل ليقدمها قرباناً يساير فيها الظلم والظالمين .
خرج مقتدى الصدر من عباءة من يدعي انه حامي حمى الشيعة وناصر مظلوميتها كي ينأي بنفسه وتاريخ اهله عن كل مثلمة تلحق بهم ،فثمة نفوس تنوء الاجساد بحملها لكبرها ورفعتها وعظمتها، تقابلها اخرى تأنف الاجساد من حملها لفرط مافيها من صغر ووضاعة!والاعباء الثقيلة لا ينهض بها ، ولا يحتمل وزرها الا ذوو النفوس الكبيرة ،والحرية حمل من العيار الثقيل لا يقدر عليه إلا أصحاب المواقف الجريئة والصريحة ، إن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع ان تكون حرة بملابسها وعاداتها ، لان الحرية اقوى من ان تذبح ، واكبر من ان توضع خلف القضبان .
بعض الساسة يعانون من عقدة الفشل ،وبعضهم يريدون الاحتفاظ بمناصبهم تحت أي ظرفٍ وبأي ثمنٍ ،وفريق ثالث يقف على التل متفرجاً يترقب الحدث ليختار لنفسه ما يضمن بقاءه تحت مصطلح ” إذا مِتُ ظمآنا فلا نزل القطر ” انقرار السيد مقتدى الصدر المفاجئ بالتنحي عن أي مشاركة سياسية وكذلك رفع يده عن التيار الصدري وكتلته النيابية في البرلمان العراق يفتح الأبواب على مصراعيها امام التساؤلات التي جعلت صاحب الرقم الصعب في المعادلة السياسية ان يتخلى عن اقطاب التوازن ، ولعل هذا الانسحاب والعزلة من اجل لملمة الأوراق المتناثرة التي كانت تتطاير من ادراج مكتبه عن بعض المحسوبين عليهم او من هم تحت جناحه ممن أساءوا اليه ، ليختاروا طريق المكاسب الشخصية التي لا تجعل من أصحابها سوى أدوات بيد الشهوات التي لا تبقي ولا تذر الا الخيبة والخسران .
اذن هي بداية مرحلة جديدة من العمل السياسي التي كانت بداياتها رفض الهيمنة والسطوة المالكية على البلاد ولعل باكورة هذا العمل هو ما صرح به حول ما يجري الآن بالفلوجة والانبار من حرب سياسية طائفية انتخابية بامتياز وان كل ما يطرح من مبادرات لحل الازمة فانه يصطدم بجدار فولاذي يمنعها من التطبيق ، بسبب المراوغة والمطاولة التي تخرج من كنف الحكومة الظالمة .
عشرُ سنواتٍ سُفح خلالها الدم مدرارا على مذبح الشدّ والجذب والتحريض والتحشيد والتمترس والتخندق والتنابز بالألقاب واستحضار أسوأ حلقات التاريخ وأكثر صفحاته اسودادا. !طويت صفحة القتل الطائفي وحمدنا الله ، ولم يعد عمر وعلي وعثمان وابي بكر يخافوا من أسمائهم وطوائفهم ، صرنا نتندر بتلك الأيام بقدر ما نتضرع إلى السماء أن لا يعيدها علينا ولا على أي شعبٍ حرٍ كريمٍ. ! حتى جاء مختار العصر بحكمته ووطنيتهالتي ملأت العراق عدلاً وامناً ” بدولة قانونه ” مما جعلت الصدر في وضع لا يستطيع ان يستمر بعمله ونشاطه كونه لا يريد ان يكون شاهد زور على أفعال الحكومة التي وصفها حفيد ال الصدر بانها ” حكومة تحز رقاب العباد بأنياب ذئابها المتعطشة للدماء .