سيرة ومواقف
القسم الاول
ينتمي الشيخ عبد الحميد عبدالخالق البيزلي الى عشيرة الريكان، وهي إحدى العشائر الكردية الضاربة التي تقع ديارها على الحدود العراقية – التركية ضمن ناحية نيروه وريكان التابعة لقضاء العمادية في محافظة دهوك. وتتكون العشيرة من حوالي (62) قرية، وتنقسم الى ثمانية بليكات(= صفوف)، ولكل بليكة رئيس خاص بها، كما للعشيرة رئيس يبت في شؤونها يطلق عليه الآغا.
ويظهر للباحث أن لفظة بيلك ربما جاءت من البايلك، فهو مصطلح تركي قديم أخذه الأتراك عن المغول والسلاجقة، وأول من تولى إمارة البايلك عند الأتراك هو عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية وذلك سنة 1280م. ومصطلح بايلك أصله “بكلك” وهو مشكل من مقطعين: بك + لك، فأما بيك – وتلفظ باي – في الأصل فهو لقب أبناء السلاطين الحائزين على لقب الباشوية وذريتهم، ثم استعمل لقباً لمعظم كبار الموظفين والقادة الذين يكلفون بإدارة الولايات ويسمون وزراء الخارج، وقد اعتمده العثمانيون كلقب لحاكم الولاية أو المقاطعة، واشتق منه لفظة بيكلربك التي تعني أمير الأمراء وهي الرتبة الثانية من رتب الباشوية، وكلمة بايلك صارت اصطلاحاً لكل ما هو مُلك للدولة فيقال طريق البايلك وأرض البايلك. ينظر: فارس كعوان، المصطلحات الادارية العثمانية في الجزائر.
وعلى أية حال فإن هذا المصطلح قد صحف قليلاً عندما دخل الى اللغة الكردية لكي يناسب بنائها اللغوي، فأصبح يطلق عليه لفظة (بِليك) عند العشيرة الريكانية، ومعناها احدى مقاطعات أو أراضي القبيلة، أما أفراد العشيرة الأرتوشية بمختلف فروعها، فيطلقون عليه لفظ (بِلوك)، وكما هو معروف فإن القبيلتان المارتا الذكر متجاورتان جغرافياً.
وقد اختلف المؤرخون في التعريف بلفظة الآغا، فالبعض يقول ان المصطلح فارسي الأصل ويعني السيد، وجمعه (آغاوات) إستعمله الأتراك لدلالات منها تسمية الضباط الأميين كالإنكشاريين، وقيل: كلمة مشهورة واغلبهم يتلفظون بها بالهمز لا بالمد”. ينظر (مجلة لغة العرب العراقية التي كانت تصدر في بغداد بداية القرن العشرين). وفي الحقبة الأخيرة من العهد العثماني أطلق اللقب على ذوي المكانة العالية في المجتمع. وذكر محمد فريد ” … أن هذه الكلمة محرفة من كلمة (آقا) المغولية”. نقلاً عن محمد فريد وجدي، تأريخ الدولة العلية العثمانية. وكان مدراء مكاتب الوزراء يسمون (آغا أفنديم). أما (آغا باشا) فكان يطلق على الوزراء الإنكشاريين. و(آغا بك) يعني الأخ الكبير يستخدم من قبل الطبقات الإجتماعية المتوسطة. و(أغا الحرم) هم الذين يستخدمون في أقسام الحريم في قصور السلاطين، وهم من الزنوج المخصيين.(علي الكاش،الألقاب الرسمية معناه واصولهاhttp://www.shbabmisr.com(
وهي في الحقيقة كلمة مغولية معناها (الاخ الكبير)، وبعد سيطرة المغول على المشرق الإسلامي في أعقاب سقوط الخلافة العباسية عام656هـ/1258م، تغير مفهوم هذا المصطلح، فدخل الى القاموس الفارسي بمعنى الآقا أي السيد، ومن ثَّم تغَّير مفهومه لدى الكُرد في تأريخ متأخر يبدو أنه جاء في أعقاب سقوط الامارات الكردية في العصر العثماني بعد عام 1836م، ليصبح مصطلحا يطلق بصورة محددة على (رئيس القبيلة أو العشيرة الكردية تحديداً)، كما أن لفظة الشيخ تطلق على رئيس القبيلة العربية، وماليك أو ملك يطلق على رئيس القبيلة النسطورية – أتباع كنيسة المشرق – الآثوريون – الآشوريون).
يحد قرى عشيرة الريكان من الغرب قرى عشيرة النيرويي، ومن الجنوب جبل لينك وهو امتداد لسلسلة جبال متينا التي ينتهي عند مضيق رشاوه التابعة لمنطفة نهله، ليبدأ منها جبل لينك، ومن الشرق يحد قرى الريكان قرى عشيرة مزوري(بالا = العليا)، وقرى عشيرة هركي بنه جه باتجاه الشمال، بالاضافة الى مضيق كلي بالنده ونهر روي شين (= أورمار سابقاً)، ويحدها من الشمال الشرقي، قرى عشيرة الدوسكي زوري(= العليا)، بالاضافة الى الحدود التركية، حيث تقع ثلاثة قرى من عشيرة الريكان ضمن أراضي كردستان الشمالية (= التركية)، وهي: برجيله، شيفا ره زا، جانمندا، مجاورة لعشيرة الأرتوشي التي تقع ديارها الى الشمال من خط الحدود الذي يقابل عشيرة الريكان، فيما تقع ديار قبيلة بنيانش في كردستان الشمالية مقابل أراضي عشيرة النيروه.
وقد جاء ذكر عشيرة الريكان بصيغة رادكان في كتاب (الشرفنامه)الذي ألفه المؤرخ الكردي الكبير شرفخان البدليسي(914 – 1012هـ/1534 – 1603م).
وتطرق إليها مؤرخ العراق المحامي عباس العزاوي(1307 – 1391هـ/ 1890- 1971م) في حديثه عن عشائر العمادية بصورة مقتضبة وجمع بينها وبين عشيرة النيروي في ناحية تابعة للعمادية، ومما قاله:” … – نيروا- ريكان. وهذه برياسة كلحي آغا، وكان قد حصل على وسام الرافدين من الدرجة الثانية. وتتكون منها ناحية من نواحي العمادية و فيها ٧٩ قرية”. (عباس العزاوي، موسوعة عشائر العراق، ج4، ص220). يبدو أن يتطرق الى قرى عشيرتي الريكان والنيروه معاً، بعدها ذكر العزاوي معلومات أخرى عنهم نقلاً عن كتاب الشرفنامه، بالقول:” ريكان. وجاء في الشرفنامة أنها ” رادكان ” وينطق بها الأكراد ريكان. نيروا. والظاهر أن هذا اسم موطن عرفت به قبائله. والأخيرتان قد تكونت منهما مجموعة تدعى ” نيروا – ريكان ” . ومنها الناحية بهذا الاسم. ومركزها قرية ” بيبو”. (المرجع نفسه، ج4، ص221).
ولد الشيخ عبدالحميد بن الخليفة عبدالخالق بن الخليفة نبي بن ملا حجي بن ملا أبوبكر في قرية بيزلي التابعة لعشيرة الريكان والواقعة ضمن ناحية نيروه ريكان (= بيبو) التابعة بدورها لقضاء العمادية في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق في سنة 1949م.
وجاء ذكر قرية بيزلي في المصادر الإسلامية المختلفة، فعند ذكر سيرة القاضي كمال الدين بن محمد بن داود البازلي الكردي الحموي، الذي تولى نيابة دمشق ومشيخة المدرسة الشامية، يتطرق المصدر الى التعريف بقرية البازلي بالقول:” نسبةً الى قرية في منطقة العمادية التابعة لمحافظة دهوك في كردستان العرق، وما زالت عوائل تلك القرية يعرفون بهذا الاسم وهم من عشيرة الريكان المشهورة. وجاء التعريف به في مصادر أخرى:” محمد بن داود بن محمد البازلي، أبو عبد الله، شمس الدين: فاضل، من الشافعية. كردي الأصل، من العماديّة. ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر (= جزيرة بوتان)، ونشأ بها، وانتقل إلى تبريز في إقليم أذربيجان، فحفظ كثيراً من الكتب في الفقه والنحو، ودرس المعقولات على: منلا ظهير، ومنلا محمد القنجفاني، وعثمان الباوي، والمنقولات على والده نجم الدين الاَشلوبي، ثم قدم حلب والقصير، وقطن حماة، ودرّس بها وأفتى، وصار شيخها في المعقولات، وتعلم في أذربيجان، وأقام في حماة من سنة 895هـ/1490م، فدرس بها وأفتى وصار شيخها في المعقولات، مَعَ فَضِيلَة فِي الْفِقْه وترقى بعد الْفَاقَة وَزوج بنته فِي بَيت الْبَارِزِيّ وَهُوَ الْآن حَيّ فِي سنة خمس وَتِسْعين وَيُقَال إِنَّه جَازَ الْخمسين (على حد تعبير السخاوي في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، ج 7، ص240 برقم 587، وحفظ بها كثيراً من الكتب منها: الحاوي الصغير، و عقائد النسفي، و عروض الأندلسي، و الشمسية في المنطق، و الكافية في النحو لابن الحاجب، و تصريف العزي، إلى أن توفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة (925هـ/1519م) في مدينة حماه، قبل وفاة والده بسنتين(921هـ/1515م). من كتبه: غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الاَنام، وتقدمة العاجل لذخيرة الآجل، وحاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي”. ينظر: ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من عجب، ج8، ص126، 138؛ حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الفنون، ج1، ص595؛ الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، ج 1، ص 47.
وللبازلي مخطوطة بعنوان (غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام)عدد أوراقها: 274، المقاييس: 282 × 185 ـ 220 × 125، عدد أسطرها: (27). جاء في أولها:” بسم الله الرحمن الرحيم، رَبِّ يَسِّر وأَعِنْ واخْتم بِخَيْرٍ يا خَبِيْر يا لَطِيْف. الحمد لله الذي رفع منار الحق ببعثة النبي، ورحم الخلق بإرسال الرسول الأميّ، وجعل أقواله حجّة، وأفعاله محجة، ففاز مَن تَعِبَه واقتدى، ونجى مَن اقتفى أثره واهتدى… وبعد: فيقول العبد الفقير إلى الله الغني؛ محمد بن داود بن محمد البازلي؛ جعله الله ممّن سعدَ بإسعادِهِ الأزليّ، ووالديه ومشائخه ومُحبيه، بحُرمة كل نبي لله وولي، كنت قدَماً مِمَّن شغفَ بخِدمةِ الحديث فَبِهَا اشتغلَ فطافَ البلادَ وجاب المَهامِهَ، فحصل منه ما حصَّل، وصرف فيه عُمرَه، فلله الْمِنَّة على ما منح به وتفضّل، وليس بخاف أن معرفة رجال الحديث من أهمّ المهمات، وعند أرباب الحديث من أعظم المرغوبات… فإني ما وضعت هذا الكتاب إلا ليغني عن كتب الغير… فحاولت أن أجمع كتاباً حافلاً في مشائخ البخاري وشيوخهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأذكر فيه وفياتهم إلا نادراً جدّاً، وبعض أحوالهم ومناقبهم، فإنه بذِكرِهم تنزل الرحمة، وأُطوِّل الترجمة وأختصرُها على قدر شهرة الراوي وذِكره، ورتبت الأسماء على حروف الهجاء في اسم الراوي فقط… وأما الذي بيني وبين البخاري فأذكرهم أولاً على ترتيب الوفاة مختصراً. وَسَمَّيْتُهُ: غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام، عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل السلام… فأقول وبالله التوفيق: أخبرني بجميع صحيح البخاري إجازة الشيخ صالح الفقيه المحدّث والدي داود بن محمد البازلي، والمسند المفسر مظفر الدين بن عبد الله التبريزي تغمدهما الله برحمته…”.
وجاء في آخرها:”… عبد الله بن يوسف أبو محمد النيسي، بكسر المثناة والنون المشددة المكسورة بعد المثناة التحتية مهملة: بلدة من بلاد مصر، في وسط البحر، وهي من كور الخليج، منسوب إلى نيس بن حام بن نوح، وهي في جزيرة من جزائر بحر الروم، قرب دمياط… فاتّضح أن المراد بالعجمة المانعة عن الصرف؛ غير العجمة الممنوعة عن ورودها في القرآن، فإن المانعة هي التي اخترعها العجم أعلاماً، والممنوعة هي التي وضعها واضعُ لغة العجم، فتأمل؛ فإنه والله حقيق أن يكتب ببياض النهار على سواد الليل، ولله الحمد على هذه الفائدة العظمى التي ما خيب الله تعالى سهري عليها ليالي وأياماً”. ينظر: محمد بن داود بن محمد الكردي الحموي الشافعي البازلي، شمس الدين أبو عبد الله (المتوفى سنة 925 هـ/9151م)، مخطوطة – غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام، الجزء الاول، عدد الأوراق: 274، المقاييس: 282 × 185 ـ 220 × 125، عدد الأسطر(27).
وهناك ملاحظات مدرجة عن المخطوطة جاء فيها:”خطّ الثلث المضبوط بالحركات، وأسماء الأعلام والعناوين مكتوبة باللون الأحمر، وتوجد تصحيحات على الهوامش، والغلاف جلد عثماني مغلف بالقماش، وعليه تملك مشوه، ثم تملك علي القطان. وقف الصدر الأعظم محمد راغب پاشا. رقم السي دي: 49091″.
وعلى أية حال فيعتقد أن مدرسة قرية بيزل أسست في سنة 921هـ/1516م في عهد الامير البهديناني سليمان بن الامير مبارك بن سيف الدين أمير الامارة البهدينانية. الذي حكم لمدة أقل من سنة واحدة 984هـ بعد الامير قباد الأول بن حسين بن حسن الذي حكم بدوره في نفس السنة أيضاً 984هـ/ 1576 – 1577م.