{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
أفنى الشهيد محمد عذيب هليل، وجوده في خدمة المحيطين به؛ حانينا على إخوته بارا بأبويه طيبا مع الناس، حد التبني لقضاياهم، إذ ولد العام 1942 في بغداد، إبنا أكبر لعائلة ملتزمة، أنشأته على حب الله وتعاليم دينه الحنيف والولاء للوطن والناس، كما يقول المثل: “صاحب صاحبه” مضحيا بحياته.. تورق أزهارا، في الجنة، نتيجة عدم ضعفه أمام ألم التعذيب الفظيع الذي تعرض له، ولا ضعفه إزاء المغريات، حتى أسلم الروح لبارئها، وظل جسده الطاهر، رهينا بيد معذبيه.. يحيدهم، إذ ما عدوا يمتلكون وسيلة ضغط على بدن مسجى أمامهم وروحه فاضت للسماء!
يحنو على إخوته الصغار، بإعتباره الأكبر، والجا صروف الحياة، بثقة مطلقة، تلائم شخصية رجل يسعى لتغيير قدر شعب وإنقاذ أمة، والحفاظ على بيضة الدين ونجاة المعتقد!
لا يتسلل الكسل أليه.. دائب الحركة، يواظب على إستحصال رزق العائلة، متحملا أعباء المسؤولية، بين عامل في النهار وطالب في الليل.
إبن مطيع وزوج صالح واب مثالي، لستة أبناء، برغم كل هذه الأعباء الجميلة، التي يزهي بها، حامدا لله وشاكرا آلاءه؛ اكمل دراسته بنيل الدبلوم في ادارة الاعمال.
أدرك قسوة القدر المحيق بالعراق وشعبه؛ فقرر أن ينظم الى صفوف المجاهدين في حزب “الدعوة” الإسلامية، نابغا متميزا، يجيد فهم الطرح ويحسن التنفيذ.
أودت به صلابة مواقفه، الى الشهادة، شرفا يترقبه؛ إذ إعتقل أثناء عودته الى المنزل، دارجا نحو دفء العافية، وسط عائلته؛ متفاجئا بأزلام النظام الفاشي، يقطعون سبيله، سائرين به نحو دائرة الأمن العامة، التي تعرض فيها لصنوف التعذيب بأنواعه كافة.
مجرمو الأمن والبعث.. أعوان الظالمين، الذين لم يتوانوا عن إنتهاج ما في ذواتهم من صديد جهنم؛ بغية إستخراج معلومة تفيدهم في إحباط فاعلية “الدعوة” فلم يفلحوا لأن الشهيد هليل، إنتصر عليهم، مستقويا بموته.. وهذا دأب الأبطال التاريخيين الذين خلقوا ليموتوا في الولاء!
عذبوه بأبشع ما تطاله مخيلة المجرمين، ولم يتخلَ عن مبادئه، حتى أعدم شنقاً… وما زالت كركرات ضحكته تداعب اسماع المؤمنين؛ غاصين بالعبرة.