23 ديسمبر، 2024 1:40 ص

الشهيد الطفل محمد التميمي.. قتلو البراءة والطفولة

الشهيد الطفل محمد التميمي.. قتلو البراءة والطفولة

تحتضن أم الطفل محمد التميمي الفراغ.. بعد أن جابت به غرف البيت تشده إلى صدرها الذي أصبح خاليا الان من محمد ابن الربيعين.

لا وقت هنا لمحمد أن يمكث سوى عامين في هذا البيت الذي لم يركض فيه كثيرا عندما رؤى النور، ذلك النور الذي اخفقه الاحتلال برصاصة في رأس محمد التميمي.

هنا الألم ينتشر في كل مكان في أركان الببت، وعلى الوجوه الحزينة بانتظار طفل كان يلهو قبل أيام بين أشجار بيته الصغير.. هنا ترى شحوب الوجه من ألم الفراق ومن قتل الطفولة؛ هنا لن تجد إلى الدموع المتناثرة على الوجه والأكف، وهنا الأنين الصامت من حنجرة اختنقت من الوجع.. هنا الصمت الذي خيم على النساء والرجال في البيت.. حتى دخل الطفل محمد محمولا على أكتاف الأطفال والفتية.

كان لا بد لأم محمد أن تبقى محضنة طفلها منذ ولادته، لكن الموت هنا ليس له موعد مسبق.. ربما رفضت الأم أن تسلم طفلها للمشيعين في قرية النبي صالح شرق غرب رلم الله ظنا منها أنه نائم، لقد حصل ذلك عندما كنا نشيع الشهداء في نابلس، وفي كثير من المواقف لم يصدق البعض بأن الشهداء يموتون فقد كانوا يخرجونهم من ثلاجات الموتى بمجرد فقط أن يلاحظو نبضا في القلب أو في الشريان.. هي حرارة الموت والشهداء معا.. لا يصدق الناس هنا أن من كانوا معهم قبل ساعات بعمر الورود قد ماتوا.. يزرع الاحتلال الموت هنا في كل مكان، ويسلبون الحياة من أي شخص.

لم تخطئ الأم عندما داعبته قليلا قبيل تشييعه، ولم تبالغ إن ذهبت به إلى سريره الصغير لينام قليلا وتشعر بوجوده بعد أن مكث أياما في العناية المكثفة وبقي الأمل في قلبها يتسلل رويدا رويدا حتى جاءوا به محمولا على الاكتاف شهيدا.. هنا يشيع الأطفال بعضهم.. هنا تبارك الأم لإبنها (مبروك الشهادة يا ماما).

في الغرفة أعدت له متكأ من الراحة وبعضا من الملابس الصغيرة، وقبعة كان يحبها بألوان العلم الذي يلفه الآن.. كان لا بد لها أن تصنع له أيضا بعضا من الطعام حتى يأتي.. لا وقت هنا للوهم.. ذلك الوهم الذي نعرفه ولا تعرفه الأم.. يعيش ابنها إلى الأبد جالسا بجانبها.. هكذا أمهات الشهداء.

اه لبراءة محمد وهو مسجى شهيدا يلتف من حوله الصغار والكبار.. اه لملامحه المتعبة من الرصاص.

كان لا بد لوالدة التميمي أن تطوف به جدران منزلها، وغرفته التي خصصتها له.. كانت تريد اقناعه أن لا يموت الآن، فقد أعدت له العاب الحساب، وأعدت له صورة مرسوم عليها خارطة فلسطيني.. لم تعرف الأم أن دماء محمد ستكون جزءا من هذه الخارطة التي تتوسطها صورة قبة الصخرة.

كيف لطفل من عامين أن يموت برصاصة في رأسه.. هنا يموت الأطفال بالرصاص والخوف والملاحقة والاعتقال.. لكل طفل هنا له رصاصة أو أكثر يموت فيها ولا يحيى، هكذا قدرهم.

كيف لجندي أن يقتل طفلا ويعود للاستجمام في دولة أخرى تتغنى بحقوق الإنسان والأطفال؛ وكيف لتأشيرة الدخول أن تتبنى هذا القاتل الأشر؛ كيف لهذا العالم أن يستقبل هؤلاء الذين شربو من دماء الأطفال.. كيف لهم ذلك..

كيف لهم أن يتباهون ويضحكون على العالم بأنهم يشكلون جزءا من من الديمقراطية في هذا العالم